في مضمار الحياة العملية، لا يأتي النضج دفعة واحدة، بل هو حصيلة تعثّر وسقوط وقيام، وتجارب تُعلّمنا أكثر مما تُفرحنا. النجاح لا يُولد في قاعات الندوات ولا بين دفات الكتب، بل في ساحة التجربة، حين تخطئ وتدفع الثمن، ثم تنهض وقد ازددت وعيًا. أخطائي في عالم الأعمال لم تكن وصمة، بل كانت علامات على طريق التعلم، ولعلّ مشاركتي لها اليوم تكون زادًا لمن يسير خلفي في هذا الدرب الشائك.
بدأت رحلتي بأول خطأ شائع بين روّاد الأعمال: أن تتبع شغفك دون أن تنظر إلى السوق. كنت أظن أن الحماسة للمشروع تكفي ليصنع النجاح، فافتتحت أندية رياضية باندفاع، وأسرفت من الوقت والمال والجهد الكثير، دون أن أطرح سؤالًا بسيطًا: هل السوق بحاجة إلى هذا المشروع؟ لم يكن الجواب كما تمنيت. اكتشفت لاحقًا أن الشغف، ما لم يُترجم إلى حل حقيقي لمشكلة يعاني منها الناس، يظل حبيس القلب لا يدخل جيبك ولا يُبقي مشروعك قائمًا.
لكن المفارقة أن الخطأ التالي كان في الاتجاه المعاكس تمامًا. هذه المرة قررت اللحاق بالسوق فقط لأن الأرقام تبدو مغرية. دخلت مجال المطاعم دون حب، ودون سابق معرفة، فقط لأن الربح فيه “مضمون” كما قيل لي. ومع مرور الأيام، بدأت أخسر شغفي قبل أن أخسر المال، وأدركت أن الربح بلا رغبة عبء، والعمل بلا انتماء سجن. من السهل أن تفتتح مشروعًا لا يشبهك، لكن من الصعب أن تستمر فيه إن لم يكن قلبك جزءًا من رحلته.
ومن الأخطاء التي أرهقتني نفسيًا وجسديًا، أنني حاولت أن أكون كل شيء في المشروع. أردت أن أثبت لنفسي أنني أستطيع فعل كل شيء دون مساعدة: كنت المدير والمحاسب والمندوب والمصمم. لكن الحقيقة أن النجاح لا يولد من العزلة، بل من العمل الجماعي. اليوم، أعي أن السؤال الصحيح لم يكن”كيف أنجز هذه المهمة؟”، بل “من يستطيع أن يساعدني؟” الفريق الجيد ليس رفاهية، بل ضمانة للاستمرار، ودونه قد تنطفئ طاقتك قبل أن تصل إلى خط النهاية.
أما الضربة القاسية فكانت من حيث لا أتقن: عالم الأرقام. كنت أرى أن الإبداع كفيل بجلب المال، وأن التفاصيل المالية يمكن تأجيلها. وكم دفعت ثمن هذا الوهم! الأرقام هي نبض المشروع، هي ما يمنحك القدرة على اتخاذ القرار السليم، وتجنب النزيف الصامت. من لا يعرف ميزانيته، لا يعرف موقعه الحقيقي ولا وجهته المقبلة.
نعم، لقد كلّفتني هذه الأخطاء وقتًا ومالًا وراحة بال، لكنها علّمتني دروسًا لا يمكن أن تقدمها أي قاعة دراسية. أشاركها اليوم لا حياءً، بل فخرًا. فعندما نواجه الفشل بالشجاعة، يتحوّل إلى خبرة ثمينة. والصدق في الاعتراف بالأخطاء أقوى بكثير من الادعاء بأن الطريق كان بلا عثرات. ومن المفارقة أن العديد من رواد الأعمال قد وقعوا في أخطاء مشابهة. بل إن بعضها كان مطابقًا لتجارب رواها أحد رجال الأعمال خلال ندوة تناولت أكثر الأخطاء شيوعًا في عالم التجارة.
فمن منكم يجرؤ أن يقف ويقول: هذه أخطائي… وهذه كانت دروسي؟
من يجرؤ على الاعتراف؟ دروس من أخطائي في عالم الأعمال
