مقالات الكتاب

الطموح تحت النار.. لماذا يخشى بعض المديرين من الموظف المتحمس؟

عندما يدخل الموظفون الجدد إلى سوق العمل، أو ينتقلون إلى مناصب جديدة؛ فإنهم غالبًا ما يكونون محمّلين بطاقة عالية وطموح لا حدود له. يسعون إلى إثبات كفاءتهم، ويرغبون في ترك بصمة مهنية تُظهر قيمتهم الحقيقية. وفي بيئة عمل صحية، يُعتبر هذا السلوك مبشّرًا بالخير، بل ويُرحّب به؛ باعتباره دفقًا من الطاقة الإيجابية، التي ستنعكس على الإنتاجية وروح الفريق. لكن المؤسف أن هذا الطموح لا يُقابل دائمًا بالتشجيع، ففي بعض البيئات الملوّثة إداريًا، يُنظر إلى الموظف الطموح؛ كتهديد يجب تحجيمه، أو حتى التخلّص منه. وهي ممارسة مؤذية لا تقتل فقط حماس الأفراد؛ بل تفتك بروح العمل الجماعي، وتدمّر مستقبل المؤسسات على المدى البعيد.
استمعت صدفة إلى حلقة بودكاست، تناولت هذا الموضوع من زاوية علمية، واعتمدت على دراسة أجريت في أكثر من أربعين شركة، أظهرت أن الموظف الطامح لتحقيق التقدّم المهني؛ هو الأكثر تأثراً بالمدير السام؛ إذ ينكمش على نفسه، ويتوقّف عن” السلوك المبادر”، بينما الموظفون الذين يركّزون على الاحتفاظ بوظائفهم؛ بغضّ النظر عن الترقية، يكونون أقل حساسية تجاه سلوكيات المدير المؤذية. هذا الاكتشاف يخالف ما توقّعه الباحثون، الذين ظنّوا في البداية أن جميع الموظفين سيتأثرون بشكل متقارب من المدير السيئ، لكن يبدو أن الحلم هو الضحية الأولى، وأن الموظف الذي يعلّق آماله على الترقية والمستقبل، يُصدم عندما يدرك أن مديره هو العقبة الأولى أمام أي تقدّم.
المدير السام (أو من لديه عقدة نقص) لا يصرّح غالبًا بخوفه من الموظف الطموح، بل يعبّر عنه سلوكياً: بالتصغير من إنجازاته، أو تجاهل أفكاره، أو تحميله ما لا يُطاق من المهام، أو تعمّد الإرباك والتشويش عليه. في أفضل الأحوال يُجرّد من الثقة، وفي أسوأها يُقصى نهائيًا. هذه ليست حالة فردية، بل ظاهرة متكررة في بعض البيئات، التي تُقاد بمنطق السيطرة لا التنمية، حيث لا مكان للنجوم الجدد، لأنهم يهددون عرشًا اعتاد الجمود والامتيازات المجانية.
في المقابل، يُفترض أن تكون العلاقة بين المدير والموظف علاقة تكامل لا تصادم، فنجاح الموظف هو نجاح لفريقه، وتطوره هو رصيد لإدارته. لكن حين تتحوّل الإدارة إلى ساحة صراعات شخصية، يغيب المنطق، وتتغوّل الأنا، ويفقد العمل معناه الحقيقي. الموظف الطموح ليس خطرًا يجب تحجيمه، بل فرصة يجب استثمارها. أما المدير الذي يرى في كل موهبة تهديدًا، فهو من يجب أن يُراجَع قبل أن تفرغ المؤسسة من أهل الكفاءة، وتتحول إلى مقبرة للطموح.
هذه الظاهرة يجب أن تُؤخذ بجدية. فهي لا تضر الأفراد فحسب، بل تقوّض أسس الأداء العالي، وتؤدي إلى تسرب الكفاءات، وانهيار الروح الإبداعية. آن الأوان أن نكسر حاجز الصمت، وأن نقولها بوضوح: الموظف الطموح ليس عدواً، والمدير السام ليس قدراً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *