الانكسار لحظة صامتة لا تُدوَّن في الذاكرة فقط؛ بل تُنقش في ملامح الروح، وتأتي على هيئة خيبة أو صدمة، وربما فقد؛ لكنها في جوهرها اختبار صادق لقوة الإنسان على إعادة بناء ذاته من العدم، مع العلم بأن الكثيرين يعتقدون أن ما يُكسر لا يُصلح، ولكنّ التجارب تخبرنا أن بعض الشقوق تُنبت النور.
في لحظة الانكسار، يفقد الإنسان توازنه وتتساقط منه أجزاء كان يظنها ثابتة، وتتكشف له هشاشته، وتتبدد أوهامه حول من حوله، وربما حول نفسه أيضًا غير أن هذا الانهيار المؤلم قد يكون هو لحظة الميلاد الجديدة؛ فحين تسقط الأقنعة، ويهدأ الصخب يبدأ الصوت الداخلي بالظهور.. صوت لم يكن مسموعًا في زحمة الحياة.
يجب علينا أن نأخذ بعين الإعتبار أن ما بعد الانكسار ليس طريقًا مفروشًا بالأمل الفوري؛ بل رحلة وعي تبدأ من مواجهة الذات، ولا شفاء بلا اعتراف، ولا نهوض بلا فهم حقيقي لما حدث، وهنا يتطلب الأمر شجاعة من نوع آخر؛ ألا وهو شجاعة الوقوف أمام الألم، لا الهروب منه، والتعامل معه كمرآة لا كعدو.
إن في هذه الرحلة يتعلم الفرد إعادة تعريف مفاهيمه. من يستحق العطاء؟ ما معنى الحب؟ متى أقول لا؟ ثم يبدأ في بناء حدوده ويحرص على اتساقه مع نفسه قبل حرصه على رضا الآخرين، دون أن ينسى ما كسره، لكنه لا يعود يخافه لأن الكسر صار درسًا لا قيدًا.
وبعد الانكسار لا نعود كما كنا، وهذا ليس عيبًا؛ بل نعود أصدق وأعمق وأكثر قدرة على العيش بوعي؛ فالألم لا يُقصَد به أن يدمرنا، بل أن يعيدنا إلى ذواتنا، حين نكون قد ابتعدنا كثيرًا عنها
fatimah_nahar@