مقالات الكتاب

ما يسوي بصلة… مع الاعتذار للبصل

في هذا العالم المائل قليلًا أو كثيرًا نحو العبث، لم يعد الإنسان يُقاس بقيمته الأخلاقية أو رصيده من الإنسانية، بل بعدد متابعيه، ونوع هاتفه، واللون المعدني لسيارته المؤجرة بأقساط تمتد لما بعد وفاته، لقد أصبح معيار النجاح هو الصورة التي تُنشر مرفقة بجملة مقتبسة لا علاقة لها بالواقع من كتاب تنمية بشرية مشكوك في صحته، أصبح من الشائع أن نرى من لا يملك مبدأ يُحتفى به، بينما يُطمر أصحاب الضمائر تحت أكوام من التجاهل والسخرية، يدخل الناس اليوم العلاقات كمن يتذوق قطعة حلوى جديدة إن لم تعجبهم، يرمونها دون أدنى تأنيب للذوق أو الضمير، فالطيبة أصبحت تُصنف ضمن اضطرابات الشخصية، والصدق أصبح نوعًا من السذاجة المحرجة، بينما الكذب يوصف بـ الذكاء الاجتماعي، وهنا يأتي دور الحديث عن البصل، فالبصل هذا المخلوق الذي طالما ظُلم في الأمثال، قديمًأ كنا نقول عن عديم القيمة إنه “ما يسوي بصلة”، وكأن البصل مذموم بطبيعته، لكن مهلاً البصل لا يكذب، لا يخون، لا يتصنع، على الأقل، حين يجعلك البصل تبكي يفعل ذلك بصدق لا يخلو من شفافية، أصبحنا نعيش في زمن الضحك، طقسًا اجتماعيًا، حيث يضحك الناس كي لا يُتهموا بالاكتئاب، ويبتسمون وهم يتحللون من الداخل، ويكتبون “أنا بخير” وهم لا يملكون حتى رفاهية الانهيار، الشهرة تُمنح اليوم لمن يتقن فن الثرثرة الفارغة، أما الصمت النبيل فمصيره النسيان، الرقة أصبحت عيبًا، والرحمة ضعفًا، بينما الوقاحة تُسوّق كـ”ثقة بالنفس”، حتى الألم أصبح موضة بل يتسابق البعض في عرضه، دون أن يجرؤ أحد على الاعتراف بأن هناك من يتألم في صمت دون جمهور، وها نحن، نركض خلف صور لا تشبهنا، ونلهث خلف أشخاص لا يستحقوننا، ونتقن دور البطولة في مسرحية اسمها “الحياة”، حيث البطل لا يُصفق له أحد، والشرير هو من يخرج بالتصفيق الحار، وفي نهاية كل مشهد، نكتشف الحقيقة المؤسفة أننا لا نساوي “بصلة”… مع الاعتذار مجددًا، للبصل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *