عالم كرة القدم، تتجاوز منافساته حدود المستطيل الأخضر؛ لتصبح مسرحًا لصراعات إعلامية محتدمة، حيث تُفسَّر الكثير من الأحداث؛ وفق أهواء وانتماءات متابعيها، وفي الجولة الرابعة عشرة من دوري روشن السعودي، تجلت أمامنا مشاهد حافلة بالتحديات والإثارة، كان بطل السيناريو حارس الفيحاء (البنمي) رلاندو موسكيرا، الذي خطف الأضواء بتألقه اللافت أمام الاتحاد؛ ليصبح حديث الشارع الرياضي، لكنه في الوقت ذاته سلّط الضوء على ازدواجية المعايير في التعامل الإعلامي مع الأحداث.
موسكيرا، بعد أن تصدى ببسالة لضربتي جزاء من نجمي الاتحاد كريم بنزيما وحسام عوار، وأفسد كل محاولات الخصم للظفر بنقاط المباراة، وفي الوقت ذاته عادت صدارة الدوري للهلال، ليشعل التساؤلات حول ردة الفعل لو كانت الظروف مغايرة، وكان الزعيم هو من حصل على ضربتي جزاء، أو تم تمديد الوقت بدل الضائع لصالحه، اللافت للنظر أن الكثير من التحليلات الإعلامية تغيب أو تصمت تمامًا عندما تكون القرارات أو الأحداث في صالح بعض الأندية؛ فعلى سبيل المثال في مباراة النصر والأخدود، مرّت حادثة” كوع” إيمريك لابورت مرور الكرام على أغلب وسائل الإعلام الرياضية، والأكيد كان يفترض أن تشهر له البطاقة الحمراء عند الدقيقة الثامنة، وهي لحظة من شأنها تغيير مسار المباراة بالكامل، أيضًا ضربة الجزاء التي احتسبت للنصر.. الكثير من النقاد التحكيميين يرون عدم وجاهتها، عمومًا غاب الصخب الإعلامي، وهذا يعكس مدى التأثير الكبير للانتماءات في تغطية وتحليل الكثير من الأحداث الرياضية، وعلى النقيض نرى كيف يتم تضخيم بعض القرارات، التي تُعتبر لصالح الهلال، رغم أنها ضمن إطار القانون وتتعدد الانتقادات وتُثار زوبعات حول ضربات جزاء، أو قرارات تحكيمية، أو حتى أوقات بدل الضائع؛ بغض النظر عن كونها صحيحة أم لا، في محاولة للتقليل من نجاحات الفريق وتميزه،
عودة إلى مواجهة الفيحاء والاتحاد، كان الحارس الأمين موسكيرا حائط الصد الأول أمام محاولات هجوم العميد، بل وأكثر من ذلك فقد تصدى لضربتي جزاء، في موقف يُعد استثنائيًا في مسيرة الحراس هذه اللحظات القاتلة أجهضت طموحات الاتحاد بالعودة للصدارة، لتتحول الأنظار سريعًا نحو الهلال، الذي استغل الفرصة وعاد للقمة، لكن اللافت هنا هو غياب الضوضاء الإعلامية المعتادة عند الحديث عن الوقت بدل الضائع في المباراة، أو أداء الاتحاد ولم نسمع محللين تحكيميين، أو برامج رياضية ينددون أو ينتقدون الحكام، كما يحدث عندما يتعلق الأمر بالهلال، هذا الصمت يثير التساؤلات حول النزاهة الإعلامية عند البعض، ومدى قدرة المحللين على تقييم الأمور بموضوعية بعيدًا عن الانتماءات. كرة القدم السعودية تعيش صراعات إعلامية عند الكثير، وتُبنى فيها الروايات على أسس الانتماء أكثر من الموضوعية. وعندما يتعلق الأمر بالهلال، نجد أن كل تفصيلة صغيرة تُفسَّر كأنها تفضيل غير عادل، لكن على الجانب الآخر تغيب الانتقادات عندما تتضرر فرق أخرى، أو عندما تتساهل القرارات لصالح فرق بعينها، مثل هذه الازدواجية لا تساهم فقط في تشويه المشهد الرياضي، بل تؤثر أيضًا على متعة المتابعة الجماهيرية، ويصبح النقاش حول المباريات بعيدًا عن الفنيات والمهارات، ليتحول إلى صراعات كلامية لا تنتهي.
تألق الحارس موسكيرا في مواجهة الاتحاد مثالٌ حي على قدرة اللاعبين على صناعة الفارق وسط الضغوط الكبيرة لكن في ذات الوقت، كان الحدث فرصة جديدة لكشف ازدواجية بعض الإعلام الرياضي الذي يضخم الأمور حسب أهوائه ويصمت متى شاء. عودة الهلال للصدارة كانت بفضل تعثر المنافسين وتألق لاعبيه، ولا يمكن للضوضاء الإعلامية أن تُقلل من ذلك، وبينما يحاول البعض التشكيك أو التقليل من تفوق الهلال، وتبقى لغة الملعب هي الفيصل، والحقيقة واضحة بأن هذا الفريق من يجيد استغلال الفرص، وتحقيق مكتسباته على أرض الواقع رغم المد الإعلامي المترامي الذي يحاول التقليل من مكتسباته.