اجتماعية مقالات الكتاب

دعوة مفتوحة لاكتشاف جمال الربع الخالي

الصحراء ليست فقط مكانًا فارغًا كما يتصورها البعض، بل هي حياة متجدِّدة، مليئة بالمفاجآت والجمال. دعوة مفتوحة مني لكل المغامرين حول العالم، وقبلهم أبناء بلدي، لاكتشاف جمال صحارينا. الربع الخالي ليس فقط صحراء شاسعة، بل هو كنز من كنوز الطبيعة، ينتظر من يستكشفه ويبرز قيمته البيئية والثقافية.

صحراؤنا ليست مجرد مكان، بل هي تجربة حياة، وهي جمال لا يمكن إدراكه إلا إذا عشت وسطه، واستنشقت هواءه، وتأملت سماءه. أدعوكم جميعًا إلى هذه المغامرة التي ستغير نظرتكم للحياة، كما غيرتها لي.في رحلتي الأخيرة لعبور صحراء الربع الخالي، والتي امتدت على مسافة 600 كيلومتر، اكتشفت أن هذه المغامرة هي الأجمل في حياتي، بل إنها تفوقت بجمالها حتى على مغامرتي لتسلُّق القمم السبع. الجمال الذي رأيته في صحراء الربع الخالي، لا يمكن أن تصفه الكلمات، بل إن أي محاولة لوصفه قد تظلمه.

كل خطوة خطوتها في هذه الصحراء كانت تحمل معها متعة وتأملاً. لم أكن أخشى شمسًا قوية تنعكس على سطح الثلوج مسبِّبة العمى المؤقت، ولا كنت أخاف الشقوق الخفية تحت الثلوج، أو الانهيارات الجليدية، أو الصخور غير المستقرة، أو حتى سلامة الحبال التي كنت أعتمد عليها في تسلُّق الجبال. هنا في الصحراء، وجدت نفسي في حضن الأمان، محاطًا بجمال طبيعي يمنح النفس هدوءً وصفاءً.

كانت السماء ليلًا مشهدًا مذهلًا. آلاف النجوم تزين السماء الصافية، في لوحة لا يمكن لأي رسام في العالم أن يجسدها. في كل ليلة، كنت أتعلم أسماء النجوم وكيفية قراءتها للتنقل في هذه البرية الشاسعة، وكأنها دورة تدريبية سماوية مفتوحة. ومع كل ذلك، كنت أشاهد الشهب وهي تتهاوى أمامي وكأنها لوحات فنية تتغير كل لحظة. هذا المشهد كان أكثر نقاءً وجمالاً ممّا رأيته في حياتي، وذكرني بسماء إفريقيا الصافية عندما تسلَّقت جبل كليمنجارو، لكنه هنا كان أكثر روعة وأقرب إلى القلب.
بدأت مغامرتي من منطقة “أم الحديد”، الشهيرة بسقوط النيزك العظيم، حيث أقمت معسكري الأول. ومن هناك، توجهت نحو “طويل الخطام”، وهي مسافة تبلغ 200 كيلومتر استغرقت خمسة أيام لقطعها بمعدل 40 كيلومترًا يوميًا. ثم واصلت المسير إلى بئر “أمقرون”، قاطعًا 90 كيلومترًا، ثم إلى “بيض اللحي” على بعد 45 كيلومترًا. في المرحلة الثالثة، وصلت إلى منطقة “القعد حد الصبخ”، قاطعًا 60 كيلومترًا، واختتمت رحلتي بالوصول إلى بحيرة “أم الحيش” الجميلة، التي تعد إحدى عجائب الربع الخالي، على بعد 160 كيلومترًا.

خلال الرحلة، كانت جغرافية الصحراء تتغير بسرعة، وكأنها تخاطبني بلغة الطبيعة. الكثبان الرملية كانت تتشكل وتتحرك مع قوة الرياح، ألوان الرمال تتدرج بين الأبيض والأصفر والأحمر والذهبي، وكل لون يحمل معه جمالًا خاصًا. في بعض المناطق، كانت الكثبان ترتفع إلى 300 أو حتى 400 متر، في مشهد يملأ النفس بالرهبة والجمال.

jebadr@

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *