خطر ببالي نصيحة لفاروق أحمد (ليس اسمه الحقيقي)، وهو حارس عمارة هندي ليتعلم اللغة العربية فكتبت إليه بالوثاب (الواتساب) “تعلم اللغة العربية حتى تفهم القرآن. كلام الله أرسله إليك وإليّ وإلى كل الناس” فرد عليّ بإبهام مرفوعة علامة الموافقة، ثم كتب لي أول بيتين من ألفية ابن مالك:
قال محمد هــــــو ابن مالكِ
أحمد ربيَ الله خير مالكِ
مصليا على الرسول المصطفى
وآله المستكملين الشرَفا
فذكرت له قصة وقعت لابن مالك ناظم هذه الألفية وهي أنه تعرض لابن معطي وبعد ذلك حردت قريحته. فلم يستطع أن يأتي ببيت واحد. ثم رأى ابن معطي في المنام يقول له ما ذنبي إليك تزدريني حيث قلت:
وتقتضي رضا بغير سُخْطِ
فائقة ألفية ابن معطي
فقال ابن مالك سامحني ولقد انخرس لساني عن قول أي بيت بعده، فعلّمه ابن معطي ما يقول.
ولكني نسيت البيتين، فما كان من فاروق إلا أن بعثهما لي.
وهو بسبق حائز تفضيلا
مستوجب ثنائي الجميلا
والله يقضي بهبات وافرة
لي وله في درجات الآخرة
إن مسلمي الهند حصوصا أهل مليبار (كيرالا) مهتمون جدا بعلوم العربية. ولقد زاملت الصديق محمد مليباري في قسم الترجمة بجريدة سعودي جازيت نحو سنتين. وكنا نختار الأخبار الهامة أو اللافتة من الصحف المحلية ونترجمها للنشر في سعودي جازيت. ومن الطريف أن إحدى الجرائد نشرت خبراً عن امرأة أسقطت حملها بسبب صرصار، فتساءل كيف اخترق الصرصار بدنها؟ فضحكت وقلت له: لقد أسقطت الحمل من الخوف لأن عندها فوبيا من الحشرات.
ثم عاد إلى الهند وعمل هناك أستاذاً للغة العربية والأدب العربي في إحدى جامعات كيرالا، وأهداني كتابين، ثم انقطع التواصل بيني وبينه نحو ربع قرن. وشاء الله أن أحد الأصدقاء كان عائداً إلى الهند فأعطيته نسخة من كتابي “عمر عبد ربه حياة وسيرة” ليسلمها للزميل العزيز مع رسالة لتجديد العهد. وهكذا عاد الاتصال نحو ثلاث سنوات. وسعدت بأنه أرسل لي مشهداً نادر الوجود صوتاً وصورة لوصول الزعيم الهندي جواهر لال نهرو واستقبال الملك فيصل له في مطار الرياض، ثم أرسل إليّ فيلماً جميلاً مع أنه لا يزيد عن حوار بين زوج وزوجته، يسألها وهو واقف هل تحبينني؟ ويمضي الحوار بلغة انجليزية شاعرية ولكنها درامية. تتكئ الزوجة على حياتها ربع قرن وتقول له وهي واقفة: كل هذه السنوات وأنا أنجب لك وأربي أولادك وأطبخ وأغسل وأكنس لكي تقول لي هل تحبينني؟ أسأل روحك. فيقول طمنيني. ولكنها تناور في حوار ممتع وأخيراً يجلسان ثم تقول له الجواب نعم. فهل أنت تحبني؟ وتنسدل ستارة النهاية.
وأرسل إليّ حكمة ثمينة: “جوهر المشكلة أننا نعتقد أنه لا زال لدينا متسع من الوقت”.
لا. لقد انتهى الوقت. فقد فجعت في الشهر الماضي بنبأ وفاته رحمه الله.