يقول الله عزّ وجلّ في كتابه العزيز: ( واتقوا الله الذي تتساءلون به والأرحام) كما يقول عزّ من قائل: ( والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء العقاب ) وحقيقة العلاقة السيئة مع الآخرين، أمر استهجنه ديننا الحنيف.
فكم من الآيات والأحاديث التي حثّت على حسن الخلق، والتعامل الطيب مع الناس جميعاً، بصرف النظر عن دينهم وقرابتهم وجنسهم، فما بالكم بقطع الصلة بالأرحام التي تعتبر من المفاسد الأخلاقية قطعها والأكثر جرماً وفساداً حين يتربّى الأبناء والبنات على كراهية أقاربهم ، قبل فترة شاهدت إعلاناً لشركة (ما) تقول الأم لإبنتها: ( برجك العقرب مثل عمتك )، طبعاً في الإعلان قيلت بشكل ساخر لكن الهدف المبطن من العبارة غير سليم ولا يجب أن تكون في الإعلان، وتزامن ذلك مع بطاقة دعوة رأيتها مكتوب فيها (ممنوع حضور العمات)، وسواء كانت العبارات جدّية أو هزلية، فلا تجوز بحال من الأحوال، لابد أن يتربّى الجيل على قداسة وأهمية العلاقة مع الأهل والأقارب، وأنهم (خط أحمر) غير مسموح تجاوزه، ولو رجعنا للأقارب ودرجتهم ومن هم، لوجدنا الإسلام رتبهم لنا وهم أحق الناس بالصلة ( الآباء والأمهات ووالديهم والأولاد وأولادهم من الذكور والإناث ثم الإخوة والأخوات وأولادهم ثم الأعمام والعمات والأخوال والخالات وأولادهم ثم الأقرب فالأقرب ). وحين سئل الرسول عليه الصلاة والسلام، عمَّن أحق بالصُحبة، قال:أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أباك. قال: ثم من؟ قال: ثم الأقرب فالأقرب وفي رواية أختك وأخاك.
من مشاهداتي في بعض المناسبات، رأيت سيدة كبيرة بصعوبة تمشي تريد الوضوء، وزوجة ابنها وحفيداتها موجودات، وكأنها لا تمتّ لهم بصلة، إذ يبدو أن زوجة إبنها على خلاف معها!
ومشهد آخر، دخلت سيدة مع بناتها وزوجات أبنائها وسلموا على الجميع ماعدا إحدى الحاضرات، واتضح أنها أختها وهي على خلاف معها!
ولازالت أتذكّر تلك الطالبة الرائعة ذات الأربعة عشر عاماً حين جاءتني تطلب نقلها لمدرسة أخرى، ولأنها من المميَّزات، رفضت ذلك، وتساءلت عن السبب، فقالت لي وهي تبكي بأن والدتها مصرّة على نقلها لانتقال إبنة عمها للمدرسة، وعرفت منها أنها تحب إبنة عمها لكنها لم ترها من أكثر من سنتين بحظر من والديها علماً بأن طفولتهما كانت معاً!
ومن المواقف الطريفة والمؤلمة في ذات الوقت في السنوات الأخيرة وفي مدرستي الخاصة، جاءتني طفلتان إحداهما في الصف الثالث وابنة عمها في الصف الرابع، وطلبتا مني عدم قبول ابنة عمتهما وأنني لو قبلتها، سيخرجان من المدرسة كما سمعوا ذلك من أهلهم! ولو أردت استعراض المشاهد التي مرت بي، لما اكتفيت، لكنني أضرب مثلاً فقط بمواقف أكيد مرت بالجميع والجميع يعرفها، مواقف أقل ما يقال عنها جريمة في حق العلاقات! نحن لا ننكر أن هناك أشخاصاً، قربهم معاناة، والتعامل معهم عذاب، لكنهم من الّلُحمة العائلية الإنفكاك عنهم أيضاً شرخ في علاقتنا بالله وفي أخلاقياتنا، والشرخ الأكبر حين يقحم البعض صغار العائلة في خلافاتهم! كيف يسمح أب أو أم منحهما الله عقلاً، ولديهما حب لأن ينشأ أبناؤهما نشأة سليمة، وهم يشحنونهما بكراهية أقاربهم؟ كيف يسمحون لإبن أو بنت أن يتجاوزوا في حق عمهم أو خالتهم وعدم السلام عليهم أو ما شابه ذلك؟ كيف تتجاهل حفيدة مساعدة جدتها وهي في حاجة لها؟ اتركوا أبناءكم وبناتكم بعيداً عن نقاشاتكم حول خلافاتكم مع الأهل، ولا تسمحوا بالتجاوز عليهم أمامكم، علِّموهم أن هؤلاء جزء منكم وحقهم عليهم كبير، علِّموهم احترامهم حتّى وإن تجاوزوا معهم. فلن ينقص من قيمتهم تجاوز عم أو عمه عليهم، بقدر ما ينقص من قدرهم وقدركم تجاوزهم على كبارهم. المجتمع بحاجة لنشر القيّم والأمهات والآباء والبيوت السليمة، هي المصدر الأول لذلك، للأسف بعض الناس صاروا يتباهون بجمع من الأصحاب حولهم، وتفرق أهلهم، فتخلو مناسباتهم من أهلهم وتكتظ بأصحابهم! الأصحاب حياة، لكن الأهل جنة. فلا تخسروا أهلكم. ودمتم. (اللهم زد بلادي عزاً ومجداً وزدني بها عشقاً وفخراً )
almethag@