اجتماعية مقالات الكتاب

نعمّا هي

تمرّ علينا في بعض الأوقات، حالة من السكون أو الصمت تغشانا على الرغم من وجود الضوضاء من حولنا، إلا أننا نتعامل مع تلك الضوضاء تماماً وكأننا نضع “سدادة للأذن” لتحجب عنا السمع، ونسير ونحن ننظر في الأوجه التي تمرّ علينا بابتسامة بلهاء تعبّر عمن يجهل الحديث الذي يدور حوله، فهناك دراما من نوع آخر تسرد في عقولنا، إلا أننا لا نكتفي من ذلك السكون، لتتبعه رغبة أخرى في حجب الأشكال، والألوان، بتغميضة جفن، ولو لدقائق، حتى تكتمل الحالة من السكون تلك، لكن هل هو سكون مريحاً، وهل ستتبعه سكينة؟

كتبت في مقال سابق من فترة طويلة، كيف يكون إحساس العزلة، وكم كنت أتمنى في ذلك الحين أن أحصل على وقت من العزلة، ومع مرور الوقت وتعاقب السنين، وغزو شعيرات الشيب في رأسي، أدركت أنني كنت أتمنى بطلبي ذاك، أن تزول عني نعمة البقاء على قيد الحياة بالمعنى الحقيقي للحياة.

أكثْرنا من تأففنا بالمحيطين، وكم اعتقدنا أنهم يسيئون لنا، ويتدخلون في شئوننا، وكيف أنهم اقتحموا حياتنا، ثم أسهبنا في أمور الكتمان على غير دراية، إلى أن أصبحت منازلنا مراتع لخيوط العنكبوت من قلة الزوار، بل أصبحنا نبحث عن أقاصي المدن لتكون ملجأنا، لعل البعد ميزة في بعض الأحيان ولبعض الأشخاص، إنما أولئك الذين لا يستطيعون التنفس إلا بين الناس، أصبحت تلك المناطق البعيدة بالنسبة لهم، كأنها سجون رحبة.

قبل أيام، التقيت بأشخاص لم أرهم منذ وقت بعيد، كنت أنظر إليهم بلهفة المشتاق إلى أحاديث الأمس، وقصص من كانوا معنا فيها، وبين جنبات حديثنا، مررنا على ذكرى صديقة لي كانت معي منذ مقاعد الدراسة الابتدائية، على الرغم من أن فاصل الزمن الذي يفصلني عن تلك الفترة كان كبيراً جداً، وأن تلك الذكرى أشعرتني بمقدار العمر الذي أمتلكه الآن، خاصة عندما علمت أن صديقتي أصبحت “جَدة “، إلا أنني شعرت بحنين أدمع عيني في مزيج من السعادة والخوف، لأن خبر وفاة صديقة أخرى، كان قبل يومين من لقائي هذا، وكلا الصديقتين من نفس الجيل، أمران متناقضان في نفس الأسبوع (موت وحياة)، توقفت في تلك اللحظة وقفة مع نفسي ومرت بي حالة السكون تلك لأراقب الوجوه التي أمامي وأحادث نفسي:( نعم، هناك ضوضاء، نعم هناك إزعاج، نعم هناك أناس يحشرون أنفسهم في حياتك)، إنما تظل حياة، ومن جمال الحياة أن تعيشها بكل أشكالها، وبكل من فيها، وتتقبَّلهم كما تقبّلوك، وإلا فلتصعد في قمة العُزلة، تلك التي لا تستطيع سماع شيء فيها إلا صفير الرياح، ثم خذ نفساً عميقاً، وأنت فارد ذراعيك للاشيء، إنما قبل أن تطلقه، تذكّر أنه قد يكون النفس الأخير الذي يفصلك عن كل من هربت منهم، وأنت مسرعاً نحو جبل العُزلة.

eman_bajunaid@

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *