اجتماعية مقالات الكتاب

إدريس

مضت عشر سنوات على هذه القصة التي وجدتها في مفكرتي:
سائق مصري لدى أحد الأعيان في جدة اشترى من بقالة قريبة من سكنه بطاقة موبايلي بعشرة ريالات. ولما حاول شحن جواله، فشلت البطاقة فأعادها إلى البقال، وقال له: هذه البطاقة مضروبة. رفض البقال استلام البطاقة، وقال له: ليس عندي بطاقات مضروبة. ودخل الاثنان في جدال، وخلال ذلك قال السائق: عليّ الطلاق مضروبة. وبعد الكشف على جوال السائق، قال البائع: هذه بطاقة سوا وليست بطاقة موبايلي. فاسترد البطاقة، وأعطاه بديلاً عنها من بطاقات سوا.

هذا السائق البسيط، ولنفترض أن اسمه إدريس، اغترب من أجل لقمة العيش له ولأهله، لكنه لا يعلم عن الحديث الشريف:( ثلاث جدهن جد ومزحهن جد النكاح والطلاق والرجعة وهناك من يقول الثالثة العتق.) ولا يعلم عن الحديث الشريف الذي يقول:( لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر.)

لم ينم إدريس تلك الليلة بعد أن رمى الطلاق على زوجته في وطنها، وهي لا تدري ما اقترف زوجها في حقها. ثم سألني السائق عن الحل. ولست مفتيا ومن قال لا أعلم، فقد أفتى. ووجهت القضية لبعض طلبة العلم. فقال لي أحدهم قولوا له هذه تعتبر طلقة واحدة وعليه أن يراجع زوجته. وكان قصد هذا الرجل التأديب لا الحقيقة باعتبار أن الطلاق ليس لعبة. ثم إني راجعت عالما آخر، فقال لا شيء على هذا السائق بناء على القاعدة الفقهية التي تقول: لا عبرة بالظن البيِّن خطؤه، ولكن قل له موعظة بليغة.

لقد اخترت اسم إدريس على وزن عتريس. وعتريس وفؤاده بطلا قصة ثروت أباظة ” شيء من الخوف”. ومن يشاهد الفيلم سيعرف ما تفعله السينما بالعقول والعواطف. ففي نهاية الفيلم تقتنع القرية كلها بأن الصواب كل الصواب في إلغاء الزواج القائم على الإكراه والظلم. وقاموا في نهاية الفيلم بمظاهرة كبري شعارهم فيها :”جواز عتريس من فؤاده باطل” حتى أصبحت هذه العبارة على ألسنة المصريين، وكأنها مثل من الأمثال السائرة بينهم. أما حالة إدريس، فهي معاكسة. فزواج إدريس صحيح لا غبار عليه، ولا عبرة بالظن البيِّن خطؤه. لكن المهم توعية الناس بعدم الانسياق لخطوات الشيطان. وليت الطلبة والطالبات يتعلمون من الفقه ما يحفظون به الحقوق، ويتورعون عن إيذاء أنفسهم أو الآخرين بلغو القول أو ظلم الناس.

صحيح أن قولنا “الدين المعاملة”، ليس من الحديث الشريف. أما الحديث الصحيح فهو الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”.
هداك الله يا إدريس. لقد كدت أن تهدم بيتك. فالزوجة المسكينة، لا ذنب لها في شحن جوالك ببطاقة موبايلي أو سوا أو الاثنتين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *