اجتماعية مقالات الكتاب

إعادة تدوير الفشل

لازلت أتذكر توقع رسوبي في مادة الرياضيات في الصف الاول الثانوي ،ثم شعوري بالسعادة التامة حين تجاوزتها في الدور الثاني بدرجات مرتفعة تعجب لها والداي، في الحقيقة لم يكن ذلك تكاسلًا مني ،بقدرما كان كراهية تلك المادة -حتى اليوم- التي تسببت بها معلمة في المرحلة المتوسطة كانت تعاملني بصورة سيئة دون معرفتي للسبب حتى اليوم.

ورغم ذلك ،حصلت على شهادتْي بكالوريوس في التاريخ والحضارة وادارة الأعمال بينما أنا على استعداد تام ،بل وأفكر بصورة جدية بإكمال الماجستير أو دراسة تخصص آخر، بالإضافة لتشجيعي الدائم لكل ما يخص الدراسة ومن يريد إكمالها، ليس هذا فحسب بل اتجهت لتعلم كل شيء، حتى في الكهرباء والبناء، ممّا جعلني أقرأ ولو بصورة مبسطة عن كل علم يُدرس.

ببساطةأعدت تدوير فشلي في الرياضات -ولا أخجل من تسميته بذلك- ،بنجاحات متتالية ومعرفة لم تقدمها لي هذا المادة، بطريقة لم أكن اعلم أنها حيلة نفسية كنت قد قرأت عنها في هذا المجال بعنوان إعادة صياغة الحدث، حيث أنها تُستمد من علم النفس المعرفي تحويل الشدائد إلى فرص أي إعادة الصياغة في جوهرها وتحويل نظرتنا إلى إدراك المواقف في ضوء أكثر بناءً وتمكينًا، وتغيير كيفية تفسيرنا لها والاستجابة لها، ما يعني كلما تحررت من الشعور بأن أعباء الحياة ثقيلة، كلما شعرت بالسعادة.

وقد جاء ذكر هذه الحيلة في كتاب الطبيب النفسي الذي شارك في الحرب فيكور إميل فرانكل في كتابه : “الانسان والبحث عن المعنى”، والذي قرأته عشرات المرات وأهديته للأصدقاء لشدة إعجابي به، جسَّد قوة العقل لإعادة الصياغة حتى في أحلك الظروف، و على الرغم من المعاناة المستمرة التي عاشها في معسكرات الإعتقال النازية، اكتشف أنه لا يزال بإمكانه العثور على المعنى والهدف من خلال إعادة صياغة تجربته، وأدرك أنه على الرغم من عدم قدرته على التحكُّم في ظروفه الخارجية في السجن، إلا أنه يمكنه التحكُّم في سلوكه واستجابته، وقد مكَّنته هذه الرؤية العميقة من البقاء على قيد الأمل وسط أزمة لا يمكن تصورها.

إن إعادة صياغة الحدث أو ما أسميه تدوير الفشل، تجعل المشكلات أكثر قابلية للحلول والإدارة لأنها تغير وجهة نظرنا، ممّا يسمح لنا برؤية العقبات على أنها نقاط انطلاق بدلاً من حواجز الطرق، فهو يمكّننا من إيجاد الحلول وتعبئة مواردنا والمثابرة في مواجهة الشدائد، ومن خلال إعادة صياغة التحديات كفرص للنمو والتعلم، فإننا ننمِّي إحساسًا بالقوة والمرونة التي تمكِّننا من التنقل في تقلبات الحياة بسهولة أكبر.
لهذا من الجيد أن تفشل لتعيد تدويرالفشل وتنطلق منه إلى فضاءات آخرى من النجاح.

@i1_nuha

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *