صدر أمر الحكومة الرشيدة قبل ثلاث سنوات بمنع الخروج من البيوت لأي غرض كان، بسبب شدة وباء كورونا وتم إغلاق المساجد ورفع المؤذنون في كل صلاة النداء “ألا صلوا في بيوتكم” بما في ذلك صلاة الجمعة. وأذكر أنني كنت أحمل كرسيّا وأضعه أمام باب منزلي في حي الثغر بجدة وأجلس عليه كي أشم الهواء.
والتزم الناس بالقرار، وأغلقت الدكاكين والمحلات والحوانيت والشركات أبوابها.
وفي تلك الأيام، -لا أعادها الله- وردت مكالمة من أوربا إلى رقم جوال الدكتور سليمان بجدة، ففتح ابنه الجوال، وبعد السلام والتحية، قال المتصل: أين الوالد؟ قال الإبن والعبرة في صوته: انتقل هذا اليوم إلى رحمة الله. صمت الرجل وبلع ريقه من الحزن، ثم واسى ذوي الفقيد، وبعد تبادل عبارات السؤال عن سبب الوفاة وكيف وقع، سأل المتصل: هل من خدمة يا ولدي، فوالدك رحمه الله كان من أعز الناس عليّ.
قال الفتى: نعم. ولكني أراها عسيرة في هذه الظروف حتى وإن كنت يا سيدنا من أهل المدينة المنورة. فقال: ما هي؟ قال: لقد أوصى والدنا بأن ندفنه بعد وفاته في البقيع بالمدينة المنورة. قال المتصل بلا تردد: أبشر.
أجرى السيد المتصل مكالمة أو اثنتين فضمن الموافقة على الطلب العسير. وتم إبلاغ نقاط المرور على الطريق بين مشروع الأمير فواز بجدة (فقد كان الدكتور سليمان حسب علمي يسكن هناك) والحرم النبوي بالمدينة المنورة بأن فلان بن فلان سوف يسافر ومعه جنازة والده الدكتور سليمان فـاسمحوا لموكبه ولا تعترضوه.
وبدأت حالة من الطوارئ في منزل الفقيد. إذ أن عليهم إكمال مراسم الغسل والنعش وتجهيز سيارات الأقربين للسفر ولحاق صلاة الفجر في الحرم النبوي ثم صلاة الجنازة على روح سليمان بعد صلاة الفجر.
وسار الموكب الحزين، وسط الزحام، وكلما مرّ بنقطة مرورية بين جدة والمدينة، سأل العسكر: هل هذه جنازة الدكتور سليمان؟ فيقال لهم: نعم. فيقولون:
الطريق مفتوح لكم، عظّم الله أجركم.
لقد هيمن قانون كوفيد 19 على القارات الست في العالم ومن ضمنها المملكة العربية السعودية. لكن موكب الدكتور سليمان، خرق هذا القانون الكوروني باستثناء عجيب. وعندما سمعت القصة هذه تساءلت يا ترى ما ذا عملت يا دكتور سليمان من عمل صالح حتى سخرالله لك الاتصال المفاجئ من أوربا في ذلك الوقت؟ وجعل السلطات والعسكر والحرس في الحرم النبوي ينفذون وصيتك التي عزمت فيها أن يكون مثواك الأخير في البقيع إلى جوارالعباس بن عبد المطلب وعثمان بن عفان والحسن بن علي وبقية الناس؟
لقد انطوى الجواب إلى يوم التلاق.