(تخيل) حين تلتقي بمسؤول أياً كان وضعه مرتبطاً بخدمتك ولك معه حاجةً تود شرحها أو طلباً تريد أن يبلغه أو استفساراً تتوقف عليه مصلحتك وتريد منه إجابةً شافية تعينك على تحديد مسارك واتخاذ قرار مصيري تخيل كم تتساءل وكم تضرب أخماساً في أسداس كيف سيكون لقاؤك بهذا المسؤول ثم يحين الوقت وإذا بك أمام شخصية راقية متفهمة أو هكذا ظننت لتسرح بخيالك بعيداً أن مشكلتك وجدت طريقها للحل مادام هذا المسؤول أو الذي هو في محل المسؤول بهذه الأريحية والتفهم، وفجأة يتحدث سعادته بشيء من الحدة لأن رأي أحدهم لم يعجبه.
ويبطن حديثه بتحذير وتهديد وأن رئيسه في هذا الكيان خط أحمر لا يسمح بنقده أو توجيه أي كلمة في حقه. لتجد نفسك وكأنك في استراحة أو جلسة عادية تعدى فيها أحدهم على صديقك أو أخيك فتأخذك الحمية لتضع حداً لمن تجاوز الخط الأحمر. وكما يقال لكل مقام مقال في الاستراحة مثلاً قد يقبل قولك وتصرفك مع التحفظ عليه لكن من مسؤول وفي مقر المسؤولية طبعاً مرفوض بلا وألف لا. المسؤول لم يكن في موقعه إلا لخدمة المواطنين والاستماع منهم وحل مشكلاتهم والسماح لهم بمقابلته حين يحتاجون.
وعليه أن يتحلى بسعة الصدر والتعامل الراقي فمن احتاجوا إليه ليسوا متطفلين ولا متسولي حسنات بل هم مواطنون لهم قيمتهم وقدرهم لو وقفوا بمكتب الملك أو ولي العهد -حفظهما الله- لوجدوا من الاهتمام ما تطيب به نفوسهم. بعض المسؤولين للأسف ينسى أو يتناسى أنه بمجرد تكليفه يجب أن يدرك أنه انخرط في خدمة الوطن وأهله وأن مكتبه ليس للوجاهة بل هو للعطاء والعمل والأثر الطيب الذي يلمسه المواطن، والمسؤول الصادق المخلص المحب لوطنه ومسؤوليته يظل دوماً على اطلاع بأخلاقيات العمل وحسن التجاوب والتعامل وعليه تدريب نفسه على التحلي بسعة الصدر لتقبل النقد مهما كان لاذعاً فسعة الصدر كما يقال (آلة الرئاسة) ولا أعني بالنقد حتى ولو كان لاذعاً التعدي على المسؤول بشكل لا يليق إنما أعنى النقد البناء أو حدة المحتاج حين ترهقه قضيته .مهم جداً أن يتهيأ المسؤول لفهم مشكلات الناس في دائرة ما هو مكلف به وعليه الترحيب بهم حين يحتاجون للقائه فهل يتخيل أحدكم أن طلب لقاء مسؤول يتطلب شهوراً وعشرات الخطابات؟ وهل لقاء مسؤول من الاستحالة أو الصعوبة بمكان؟ هذا ما أشك فيه فكل المسؤولين مكلفين بخدمة المواطنين والاستماع منهم والإصغاء إليهم وإعطائهم الوقت الذي يستحقون وليعلم المسؤول أن قلق المواطن وإرهاقه في مصلحته يعني الكثير من السلبيات التي تعود بالدرجة الأولى على المسؤول.
بعض المسؤولين مهما أعلن عن ترحيبه بالنقد ومهما ذكر أن مكتبه مفتوح لاستقبال من له موضوع أو حاجة ومهما أكد أنه يتقبل الرأي الآخر إلا أنه على أرض الواقع لا ينفذ هذا القول عملياً بل قد يتحول الأمر لشخصنة الأمور فيصبح من خالفه أو انتقده في زمرة المغضوب عليهم (ضمن اللائحة السوداء) قد تتعقد أموره أكثر. هناك نصيحة تقول (إذا لم يكن هناك رأي آخر فيجب خلقه) الآراء المضادة توجد حراكاً محموداً نستفيد من سلبياتها وإيجابياتها وهي ظاهرة صحية تخدم العمل وكثيراً ما تصحح القرارات إذا اتقن المسؤول التعامل معها ،رضي الله عنك يا أبا بكر حين قلت بكل شجاعة كلماتك المأثورة (رحم الله من أهدى إلي عيوبي) وحين خطبت في الناس قائلاً (إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني) وقال ما يشبه ذلك بقية الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم وشاركها الملك عبد العزيز -رحمه الله- مع رفقاء دربه ومعاونيه وقالها كثير من الناجحين في الحياة مما يدل على أن من تولى أمراً من أمور الناس فلا يعني ذلك أنه منزه عن الخطأ ومجانبة الصواب لكنه ممن يتراجع إذا نصحه الناس ويتقبل النقد والرأي الآخر لذا فالمسؤول من الناس وإليهم يرفعه التواضع ويزيده هيبةً احترامه للناس ودمتم. (اللهم زد بلادي عزاً ومجداً وزدني بها فخراً وعشقاً).
@almethag