متابعات

مقصد للرحالة والمؤرخين على مرِّ العصور.. سدوس.. علامة تاريخية في جزيرة العرب

البلاد ــ الرياض

تُعد “سدوس” , واحدةً من أقدم المستوطنات البشرية التي عرفتها الجزيرة العربية ومن القرى ذات القيمة التاريخية في المملكة العربية السعودية، واحتضنت بين جنباتها معالم أثرية مُهمة بعضها اندثر، وبعضها مازال شاهدًا على عراقتها وأصالتها ، حيث تشكِّل علامة تاريخية وجغرافية وحضارية في منطقة (نجد) التي شهدت أحداثًا كبيرة عززت من قيمتها .

وتعد “سدوس” واحة استقرار بشري موغلة في القدم، ويرجع ذلك لعدة عوامل أسهمت في استقرارها ، أهمها: توافر المياه والتربة الصالحة للزراعة والمناطق الرعوية والغابات، التي تعد جيدة في الشعاب والأودية المحيطة بها، فضلاً عن الموقع والأمن، وقدرة السكان على استثمار هذه العوامل، بالإضافة إلى عوامل بشرية وطبيعية أخرى، ثم قربها من أهم الطرق في وسط الجزيرة العربية.

وتظل المياه من أهم العوامل التي أسهمت في تطور العمران فيها، حيث تسهم سيول شعاب وادي وتر في إمداد المزارع بالمياه، ثم في رفع مخزون المياه الجوفية، كما أسهمت التربة إسهاما فعالا في نشأة وتطور البلد؛ إذ لتربته الرسوبية الصالحة للزراعة دور فاعل في قيام وازدهار الزراعة فيه، واختيار مناطق السكنى والتوسع العمراني الذي تلا ذلك.

تحتضن “سدوس” الكثير من المعالم الأثرية، ومن الآثار الباقية التي لم تندثر، تشهد على تاريخ حدث، ووقائع كبرى مرت بها. ومنها مسلّة أثرية وجد عليها نقوش وكتابات تعود للعصور القديمة، وكذلك قصر قديم يرجّح البعض أن سيدنا سليمان بن داود – عليهما السلام -، قد بناه إلى جانب معالم أخرى ونقوش كتابية منقوشة على الحجر. وهناك الأبراج الحالية التي تمثل جزءًا من العمارة التقليدية في سدوس ومنها: برج آل معمَّر وهو برج الزاوية الشمالية الغربية لسدوس، ويبلغ قطر هذا البرج (5) أمتار ويرتفع عن مستوى الأرض من 10-20 مترًا. وقد بني بالأسلوب نفسه والشكل المتبع ذاته في الأبراج الأخرى بالقرية، ويمتد السور الشمالي للقرية من هذا البرج حتى البرج الشمالي الشرقي ويبلغ طول السور الواصل بين هذين البرجين (54) مترًا. وكذا برج السلطان وبرج الجميعة.

وقد مرَّ الرحالة البريطاني لويس بيلي بسدوس في الثالث من شهر مارس عام 1865م، وذكر في كتابه (رحلة إلى الرياض): “لقد توقفنا هذا المساء في (سدوس) وكانت عبارة عن مجموعة مزارع صغيرة وجميلة، اجتمع بعضها إلى البعض الآخر في الوادي حول حصن صغير، لقد كانت المنازل وجدران الحدائق أنيقة ومتصلة”.

وأهم ما يميز عمارة (سدوس) التقليدية،هو تكامل عناصرها وتنوعها، مايجعل منها قرية نموذجية ونادرًا ما نجد قرية مشابهة لها فهي قرية، ليست متداخلة العناصر مع غيرها غير المرغوب فيه بمعنى أنها جميعًا مبنية بطريقة واحدة وفي فترة واحدة، ويمكن أن يطلق عليها ( قرية تراثية حضارية ) ،كما أن ما يميزها المدة الطويلة والتي تقدر بحوالي مائتي عام ،هو عدم وصول يد الإنسان العابثة بالحديد والأسمنت إلى مبانيها، ومن مزاياها أيضًا الأسلوب المعماري الفريد الذي استخدم في تسقيف الغرف بفرش الحجارة الرقيقة في الرصف فوق الخشب، وهذا النوع من الأساليب تنفرد به سدوس ولا يوجد في المباني التقليدية إلا في القليل جدًا من مباني إقليم نجد، وينعدم في مباني المنطقة الغربية من المملكة، كمكة وجدة والمدينة ولسدوس مزية أخرى ذلك أن مسجدها يتكون من دورين خلافًا للمساجد المعاصرة لتلك الفترة في نجد كما أن البيوت فيها تتميز بالبناء ذي الدورين، حيث استخدم ربما السفلي للرجال والعلوي للنساء كما يوجد في القرية العديد من الغرف ذات الواجهة الواحدة وهي متراصة ومتقابلة وتشرف على أزقة ضيقة يفترض أنها استخدمت كمتاجر وأسواق عامة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *