اجتماعية مقالات الكتاب

في ذاكرة الحنين والصيام

للعام الرابع على التوالي، أفتقد وعائلتي والدي على سفرة إفطار رمضان، نتفقد صوته بالنداء لأخوتي للذهاب لصلاة المغرب ،ثم يعود ليجمعنا ويحدثنا عن تفسير آية قرآنية أو يخبرنا فائدة دينية، ولهذا أفتقده دومًا في كل مرة أردّد دعاء الإفطار لأني تعلمته منه حين يقوله بصوتِ عالِ حتى حفظته.

لا يخلو منزل من فراغ مكان أحدهم على السفرة، أو في متكأ أحاديث الشاي، رغم أنها دائرة الحياة لكننا نفتقده رغم ذلك، ونتحدث عنه بالحنين ثم بالدعاء له، ولا أقصد هنا بالرحيل بسبب الموت، بل لربما للزواج أو الانتقال من مدينة لأخرى، أو السفر للعلاج من مرض ألمّ به، لكنها عادة كل عائلة أن يصيبها الحنين لكمالها بوجود جميع أفرادها، وخصوصًا في شهر رمضان، نتذكره في وقت الإفطار حين تكون وجبته التي يحبها ضمن أصناف السفرة، فتبدأ الأمهات بالحديث عنه ثم تتوالى القصص عن كيف كان وجوده مهمًا في مقعده المخصص.

والافتقاد هنا ليس محصورًا على شخص، بل على عادات أيضًا، فحين كان يحل شهر رمضان المبارك، تكون أيامه الثلاثون كرنفالاً يعيشه الجميع بكل احتفاء، كصلاة التراويح بسبب طبيعة الأيام التي أصبحت متسارعة ،أو لأن روتين عملي تحدني على الذهاب إليه في وقت صلاة العشاء، ومثلي الكثير، كذلك افتقد ما كانت تفعله أمي وبقية الجيران من زيارة بعضهن خلال شهر رمضان، والتدارس أو للترويح عن أنفسهن، وأثق يقينًا باندثار هذه العادة، بالإضافة للعب أطفال الحي حول المنازل أو الشباب للعلب كرة الطائرة، أو حتى مدفع إفطار رمضان الذي كان يتميز بظهوره في القناة السعودية الأولى، كل هذه وغيرها التي كانت تظهر في شهر رمضان ثم تختفي ولذلك بقيت كعادات مخصصة فيه فقط.

لكن رغم الحنين الذي يلازمنا لأشخاص أو لعادات ماضية، إلا أن شهر رمضان يأتي بأجواء ومشاعر لا يمكن أن تتغير، حتى وإن اختلفت عادات قضائه، ما تزال مشاعرنا لم تختلف نحوه وإن اختلفت طرق الإحتفاء به واستقباله، لنا سعادتنا التي لا يمكن وصفها بقدومه توارثناها على مر الأجيال، فله زينته الخاصة المتمثلة في الأنوار البراقة، أو لبس “الجلابيات” في أول يوم فيه، والتنافس بين النساء والفتيات في اختيارهن ليكون أول يوم كمهرجان للأناقة بجانب الحناء التي يتزينّ بها، بالإضافة لعادات اللقاءات بين الشباب التي أصبحت تحدث في المقاهي أو “جلسات” شرب الشاي، فهذه عادة شهر رمضان في كل عام.
يعود علينا رمضان بالحب والبهجة والروحانية التي تغلب حتى الحنين الذي يلامس شغاف القلب.

@i1_nuha

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *