يعود شهر رمضان المبارك حاملًا معه طمأنينة الوقت وروحانية الأيام، بين الدعاء و قراءة القرآن وصوت صلاة التروايح ،في غرف المنزل تمضي أيامه الثلاثون.
نشأت وكبرت في مدينة جدة، كنت من سكان حاراتها ولعبت بين أزقتها، فما أن تبدأ ثلاثون الرحمة، تبدأ عادة ما قبل الآذان، حين تتبادل أمي مع نساء الجيران ما بين صحون السمبوسة والخبزة الجنوبية، وبين الشفوت اليمني، والعصيدة السودانية ، وغيرها من الوجبات التي تخرج أبواب الجيران إلى سفرتنا الرمضانية، استمرت هذه العادة بين أحياء جدة بالرغم من تغيير عائلي لمقر السكن كفعالية رمضانيه أحبها حتى كبرت، حتى انتقلت لخارج جدة وافتقدت تلك العادة التي ظننت أنها بدأت بالإندثار، وفوجئت وسعدت جدًا حين عودتي إليها للاستقرار، أنها مازالت مستمرة حتى اليوم، واليوم أمارسها بدلًا عن أمي في مقر عملي حين أحضر وزميلاتي -من جنسيات أخرى- معنا من طعام الأفطار ثم نتناوله مع كوب شاي ونتبادل اطراف الحديث والضحك في فترة الإستراحه.
لروحانية رمضان نكهة خاصة، من الركعة الأولى التي تُقام فيها صلاة التراويح، حين تتشابه العادات على سفرة الإفطار، أو نسيان الأمهات لمكون رئيسي لطبق مهم، ثم يكون سباق الوقت لشرائه، والعجلة للوصول للمنزل، لكن ما أحبه ،هو الود الذي يحمله الغرباء فيما بينهم، فقد تجد أحدهم يبتسم إليك ،أو تبدأ معه حواراً عن عدم الشعور بالعطش ،والتململ من الإزدحام في طابور الفول، لكن ما أحبه في شهر رمضان ،هو عادة سفرة الإفطار التي نتشابه فيها جميعاً ،مايجعلني أشعر بحميمة أوراق التقويم التي تحمل مواقيت الامساك عن الطعام حتى آذان المغرب، والذي يتخلل انتظاره صوت لطفل يقوم برفع الآذان من خلال نافذة منزله ،بالإضافة لعادة مابعد صلاة التراويح في الزيارات المنزلية بين الصديقات، أو مربع تحكمه شبكة يلعب فيها الشباب كرة الطائرة.
هذا هو حال رمضان منذ أن عرفت نفسي، يعود هادئًا كريمًا بشعور لهفة الأعوام التي نحملها إليه، ننتظره بالحب المتجدّد والذي لا يختلف عمّا سبقه من الأعوام، معطاءً بصحون الأمهات اللاتي يتركن أثرهن علينا، ويبقى ملازماً لنا طيلة الحياة سواء في المطبخ أو الحياة، نكرره حتى دون قصد أو وعي في أيام بهذا الشهر التي ارتبطت بذلك الاثر.