في عالم اليوم المتسارع ،وثورة العمل الرقمي، ولَّت أيام العمل لساعات طويلة ،للحصول على الحدّ الأدنى من النتائج ،ولم يعد ذلك يعتمد على القوة البدنية وساعات العمل الطويلة والشاقة، بل أصبح مفتاح النجاح يكمن في القوة العقلية، وذلك من خلال تبنّي عقلية العمل الذكي، وفتح مستويات جديدة للأفراد والمنظمات للإنتاجية والإبتكار، وتوفير الكثير من الوقت والطاقة للأشياء المهمة.
في مقابلة مشتركة لقناة CNBC عام 2017 ، بين الملياردير والمستثمر الأشهر وارن بافت، وبين الملياردير بيل غيتس المؤسس المشارك لـشركة Microsoft مايكروسوفت سابقاً، ما يدعم نظرية:”إعمل بذكاء وليس بجهد أكبر”
يقول بيل غيتس إن كل دقيقة من وقته كانت مزدحمة، إذ كان يعتقد أن تلك هي الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تُنجز بها الأعمال، ولكنه صرح بأن هذا الوضع قد تغير، وذلك بعدما اطلع على جدول المواعيد اليومي الخاص بصديقه وارن بافت،ووجد أن لديه أياماً لا يوجد بها شيء ليفعله، فتعلم منه درساً مهماً غيّرحياته للأفضل، وهو أن يمنح نفسه والعاملين معه بعض الراحة ،إذ ليس ملء كل دقيقة في جدول الأعمال، مقياساً على الجدِّية في العمل .
كما أقرّ الملياردير ورئيس شركة (Tesla) تسلا ،إيلون ماسك بالأمر نفسه، عندما قال في تصريحات لـنفس القناة ، إنه بعدما اعتاد لفترة طويلة من حياته على النوم أقل والعمل أكثر، فإنه أصبح ينام حالياً 6 ساعات على الأقل كل ليلة.
وبناءً عليه ،فإن مصطلح “العمل بذكاء بدلاً من العمل بجهد أكبر”، لا يعني تجنّب العمل الشاق، بل يتعلق بالعمل بكفاءة وفعالية لتحقيق النتائج المرجوة بأقل قدر
من الجهد الضائع ، ويتضمن العمل الذكي الإستفادة من الموارد، وتحّسين العمليات، وتحديد أولويات المهام ، لتحقيق أقصى قدر من المخرجات مع تقليل الجهد.
وعلى عكس الإعتقاد بأن النجاح يتم تحديده فقط من خلال عدد ساعات تسجيل الحضور في العمل، فإن العمل بذكاء ، يؤكد على جودة العمل أكثر من الكم الهائل.
المعارضون لهذا المصطلح ،دائما ما يقولون إنه ينطبق على مهن معينة فقط، لأن هناك بعض الأعمال التي تتطلب في الغالب جهداً بدنياً وساعات عمل أطول بغضّ النظر عن الذكاء، إذ أن كثيراً من وظائف العمل اليدوي لا يمكن العمل فيها بذكاء أكبر ،ويركّزون على أن هذا المصطلح ،يقلِّل من أهمية العمل الجادّ، وقد يؤدي لاشعورياً إلى تكاسل الناس عن بذل الجهد اللازم ، ضاربين عرض الحائط بأهمية الجهد والمثابرة ، فضلاً عن أنها تروِّج لتوقعات غير واقعية حول ما يلزم لتحقيق النجاح.
إن أحد أهم الأمثلة المهنية التي تجسِّد مفهوم العمل
الذكي، هو النهج الذي اتبعه رجل الأعمال إيلون ماسك، الذي يشتهر بسعيه الحثيث نحو الابتكار والكفاءة، فبدلاً من الإلتزام بالأساليب التقليدية، فهو يشجع ثقافة حلّ المشكلات ،والتحّسين المستمر داخل مؤسساته.
على سبيل المثال، أحدثت شركة:( SpaceX)، ثورة في السفر إلى الفضاء من خلال تطوير صواريخ قابلة لإعادة الإستخدام، ممّا أدّى إلى تقليل تكلفة إطلاق
الحمولات إلى المدار بشكل كبير، الأمر الذي يجسِّد قوة العمل الذكي، كما يوضح كيف يمكن للتفكير الإستراتيجي والإبتكار التكنولوجي،أن يؤديا إلى تطورات رائدة.
علاوة على ذلك، أدى ظهور الأتمتة والذكاء الاصطناعي، إلى إعادة تشّكيل الطريقة التي نعمل بها، ممّا يوفر فرصًا جديدة لتبّسيط العمليات، وتعّزيز الإنتاجية من روبوتات الدردشة التي تتعامل مع استفسارات العملاء، إلى الخوارزميات التي تعمل على تحّسين الخدمات اللوجستية لسلاسل الإمدادات.
استمعت مؤخراً ل جيم كويك مؤلف الكتاب الأكثر مبيعًا : LIMITLESS (بلا حدود) ، حول هذا الموضوع ،وضرب لنا فيه مثلاً ظريفاً، يثبت صحة هذه النظرية، ففي مركز توزيع الطرود البريدية، توقفت سيور نقل الطرود فجأة، ممّا تسبّب في
شلل تام، كان المركز يفقد آلاف الدولارات كل دقيقة بسبب هذا التوقف، وأمام هذه المشكلة، تم استدعاء خبير لحل المشكلة، ألقى الخبير نظرة فاحصة على السيور، وذهب إلى إحدى العوارض العديدة، وفتح الصندوق الكهربائي الموضوع به ،وأدار أحد البراغي (حوالي ربع بوصة)، وعندها تم تشغيل السيور مرة أخرى.
مدير المركز شكرالخبير الفني ، وطلب منه فاتورة الأجرة، فكتب الفني فاتورة بمبلغ ١٠ آلاف دولار، ممّا أثار استغراب المدير ، فطلب تخفيض المبلغ لأن الفني لم يقم بعمل شاق أبداً.
كتب الفني ورقة إلى المدير، وما إن قرأها، حتّى قام بدفع كامل المبلغ له.
كان مكتوباً في الورقة :”كلّفت إدارة البرغي ($1) دولاراً واحداً ، بينما كلَّف البحث عن البرغي المناسب ، والذي كان يسبّب المشكلة ، حوالي( $9,999) آلاف دولار !
jebadr@