اجتماعية مقالات الكتاب

طريق النجاح

يقول الكاتب البريطاني الكبير سومرست موم: لقد قضيت سنينًا من شبابي أبحث عن شيء ضائع لا أعرفه. لقد كنت حائرًا بين دراسة الطب التي كنت أحلم بها منذ صغري، وبين دراسة القانون الذي عشقته بالوراثة عن أبي وجدي، ولكنني كنت أعرف أنني لن أصبح محاميًا ناجحًا في يوم من الأيام، فقد كان الكلام بالنسبة لي عبئًا ثقيلًا، ودرست الطب، ولكنني لم أصبح طبيبًا، وعندما فكرت في المستقبل المظلم الذي ينتظرني والفشل الذريع في الحياة، الذي أتوقعه. أمسكت بالقلم لأسجل تلك الخواطر التي كانت تتنازعني. أحسست أنني قد وجدت الشيء الضائع الذي قضيت سنوات طويله أبحث عنه. لقد وجدت نفسي. وجدتها في الكتابة والأدب.

أسوق هذه الكلمات لذلك الشاب الذي سألني عن أي تخصص علمي يختار لدراسته الجامعية بعد نجاحه في الثانوية العامة، هل يلبي رغبة والديه في الدخول إلى كلية الطب، فيحقق بذلك رغبتهما وآمالهما، أم يدخل كلية الاقتصاد والإدارة التي يحلم أن يحصل من خلالها على الماجستير، ثم الدكتوراه في الإحصاء؛ ليصبح بعد ذاك أستاذًا جامعيًا، أم يختار تخصصًا وسطًا بين ما ترغب به أسرته وما يحلم به.

ولعلي أقول إن حيرة هذا الشاب هي حيرة كثير من أمثاله من الشباب والشابات، الذين يتخرجون من المدارس الثانوية ويعيشون نفس حيرته وقلقه، وهم لا يعرفون إلى أين يتجهون، ولا ماذا هم يريدون؟ إنهم يخطون خطوات غير واثقه نحو طريق لا يعرفون نهايته.

ولعل من الأخطاء الكبيرة التي نقع فيها جميعًا أن نجعل المجموع النهائي للشهادة الثانوية، هو الموجه الأول نحو التخصص الدراسي، فكلما كان المجموع أكبر تهيأت امام الطالب فرصة الدراسة في كليات معينة، حتى لو كانت ميوله ورغباته وقدراته لا تتناسب مع هذا التخصص الدراسي، ثم هو يكتشف بعد فترة من دراسته أنه أخطأ الاختيار.

في حديث صحفي أجري معه، يقول الأستاذ الدكتور محمد سالم سرور الصبان أستاذ الاقتصاد بجامعة الملك عبد العزيز، والخبير في مجال شؤون النفط: ” لم أكن أفكر في دخول مجال الاقتصاد، وكانت الحقول المفضلة لدينا نحن طلاب الثانوية وقتها أن نتخصص؛ إما طب أو هندسة، وكانت هذه رغبة- ليس فقط الطلاب- بل حتى أولياء أمورهم، وما إن تخرجت من الثانوية بمعدل عال- ولله الحمد- حتى خاطبت كلية الهندسة في الرياض، فلم يكن هنالك قسم هندسة في جامعة الملك عبد العزيز بفرعيها بمكة وجدة، ولم يتم تغيير فرع الجامعة بمكة إلى جامعة أم القرى إلا لاحقاً، وكان- ولا يزال- يُطلق عليها ” جامعة رضا الوالدين”؛ لإصرار الأب والأم بالتحاق أبنائهم بهذه الجامعة لقربها منهم.

وما إن التحقت بكلية الهندسة بالرياض، حتى شعرت بأنه لا رغبة لي في موادها فأكملت السنة الإعدادية الأولى بنجاح، دون رغبة، وما إن تخصصت في السنة الثانية بقسم الهندسة المعمارية، حتى شعرت بغربة عجيبة نحو هذا التخصص، وبنهاية العام الدراسي تركت كلية الهندسة، والتحقت بكلية الاقتصاد والإدارة بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، ولم أكن متأكداً بأنني سأجد التخصص المتوافق مع رغباتي الشخصية.

وسعدت والدتي- رحمها الله- أيما سعادة بقراري هذا، وإن كانت تريدني في جامعة أم القرى بمكة، وأقنعتها بأنني سأكون معها كل نهاية أسبوع فاقتنعت.
وتم إعفائي من السنة التحضيرية في جامعة الملك عبد العزيز، والتحقت بقسم الاقتصاد، فوجدت نفسي فيه، وإن كانت مواده الأولى جافة.

وبمرور السنوات الدراسية في الاقتصاد اكتشفت نفسي ورغبتي وميولي وتخرجت، وكنت الأول على دفعتي بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف، ومن ثم عُيًنت معيداً بالقسم، وتم ابتعاثي إلى الولايات المتحدة الامريكية؛ حيث أكملت دراستي العليا هناك”.
ولعلي أختم بالقول: إن كل شاب على وشك التخرج من الدراسة الثانوية يمتلك طاقات وقدرات ومواهب زاخرة؛ تستحق أن يسعى بكل الوسائل لاكتشافها، وأن يختار من الدراسة والعمل ما يتوافق مع رغباته وقدراته، وأن لا يدع للمجموع الدراسي أن يحدد مساره.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *