منذ عرفت نفسي ، وأنا أحب الإستيقاظ صباحًا ،وحمل كوبي بيدي ،والقراءة ،والاستماع للموسيقى، حتى لو كنت في إجازة بعيدًا عن مسؤوليات الوظيفة، ومعارك المعاملات والمراجعين، لكن هذه العادة جعلت الذين لا يعرفوني جيدًا ،يروا أني من حزب المثقفين الذين يكون الضوء ملجأهم، وتكون فيروز ،وجبة الصباح، وركوة القهوة المُرّة، ريشة الكتابة.
في حقيقة الأمر، أني لا أحب الاستماع لها صباحًا ، بقدر طربي بصوت هاني شاكر أو طلال مداح، وبأن كوب القهوة السوداء ما هو إلا شاي “تلقيمه” بعد وجبة الرُز الباقية من عشاء الليلة السابقة.
ذلك الارتباط بين تلك العناصر ، جعلت النظرة ثابتة لبعض العادات ، وتصّنيف الناس على حسب العادات التي ترسّخت في عقولهم ، فصار من الصعب تغيير فكرة أن من يملك مكتبة ،لا يجوز له أن تكون أفكاره خاطئة ، ومن يسهر ليلًا ،مقصر في العبادات، أو يجب أن يرافقه صوت محمد عبده في الطريق إن كان مسافرًا فيه، فهذه مسلّمات لم تتطور بالرغم من التجانس في الأفكار ،الذي مازال يحدث كل يوم نتيجة التكنولوجيا وتزايد المعرفة، فماذا سيحدث للأرض لو تناول أحدهم وجبة الفول في الظهيرة؟، أو أن الصباح ليس محتكرًا على الإمساك بجريدة؟
في الحقيقة لن يحدث شيء. ورغم أني أحب استمرارية العادات الروتينية اليومية في الحياة، لكن ليس احتكارها لدرجة أن تنكر على أحدهم أن يفعل ما يحب، لأنه خالف بروتوكول الوقت والزمان والأجداد.
الحياة بطبيعتها دائمة التجدُّد والتطور، ولذلك على عادات الفكر الراسخة ، أن تواكبها بالجزء الذي لا يمسّ العقيدة أو الدين، فهذا أمر لا أفكّر في التحدث عنه لأنه خارج محور هذا المقال، فالمعلم لم يعد رسولاً، والكتاب لم يعد الوجهة الأولى للتعلُّم والثقافة، لكن علينا أن نحترمهما لأجل الفكرة ،ونتعلم من المصادر الأخرى التي تزوّدنا بذلك.
ولذلك على العقل الجمعي المحاط بنا ،أن يستوعب أن ما يفعله الفرد بما يراه مناسبًا له، أمر يخصه وحده، وعليه أن يتقبّل أن منطقة راحته تلك العادة التي يمارسها، حتى لو كانت قضاء يوم إجازته الأسبوعية في المنزل ،ورفض كل لقاء أو دعوة من الأصدقاء وأن يكون اختفاؤه ليوم واحد ،يساعده على ترتيب أفكاره بعد أسبوع مرهق من العمل الروتيني.
لكن ومع ذلك، حتى لو كنّا أحيانًا لا نتفق مع تلك العادات ، علينا أن نحترمها ونتقبل معتنقيها لأنها إمّا أن تكون متوارثه ،أومرتبطة بذكريات من الصعب الإستغناء عنها، فكوب قهوة الصباح أفضل مظهر من الاستماع ل “يا سارية خبريني” بجانب صوت زقزقة العصافير.
@i1_nuha