اليوم وبعد ثلاثة قرون من الزمن ، تلوح في الأذهان قصة تأسيس الدولة السعودية المباركة التي نحتفل بذكراها تاريخاً مضيئاً وبطولات خالدة وملحمة نادرة، انطلقت من قلب الدرعية بقيادة الإمام محمد بن سعود -رحمه الله- لمواجهة التحدّيات الكبيرة والتهديدات الخطيرة التي كانت تحيط بالبلاد، في ظل الأوضاع الصعبة والظروف القاسية والحياة الشائكة التي كانت تعيشها قبائل الجزيرة، مع انعدام الأمن وانتشار الخوف والجهل في ذلك الزمن.
مجتمعات متفكِّكة وقبائل متناحرة وحياة بائسة وتدخلات خارجية كثيراً ما تعصف بهم، لتكون تلك الأمور المتعبة هي المحرك الحقيقي للإمام محمد بن سعود لاتخاذ المبادرة لجمع الشتات والتصدّي للتهديدات وتجاوز التحديات، بتوحيد الصفوف وإصلاح المجتمع والقضاء على الفتن. وكانت أول الخطوات مناصرة الدعوة الإصلاحية التي قام بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب ،والتي من أهم أهدافها نشر العقيدة الصافية الخالية من البدع وتصحيح المفاهيم السليمة ونشر العلم، وجمع القبائل على كلمة الحق، كأحد الركائز الأساسية التي قامت عليها الدولة في عملية الوحدة والبناء.
ورغم المقاومة أحياناً والتدخلات الخارجية أحياناً أخرى، إلا أن الهدف كان أكبر من الوقوف أو التراجع بل التقدم بقوة للأمام، وما إن علمت القبائل بنبل الهدف وسلامة المقصد ،حتى تحرك عدد من أبطالها الشرفاء ورجالها الأوفياء وقوفاً مشرفاً مع الدولة السعودية مساندين ومناصرين ومتعاونين في تحدٍ للخوف والانعتاق من الجهل بتقديم التضحيات لنيل الحرية، بعد أن تعمّق لديهم حب الوطن والسعي لتوحيده والذود عنه وحمايته من أعدائه والعمل بما يخدم مصالحه. وهذا ما حصل فعلاً ،لتتشكّل ملامح الدولة السعودية الأولى ببنائها العسكري والاقتصادي، والارتقاء بوضعها السياسي والأمني والاجتماعي. ورغم ما تعرضت له الدولة السعودية الأولى والثانية من هزات عنيفة ومواقف صعبة في مسيرتها، فقد قامت مجدداً بهمة قادتها الميامين ورجالها المخلصين لتدخل في معترك الحياة السياسية بأجمل صورها وتبقى في قائمة الدول الوثّابة بعد أن ثبّت أركانها الراحل العظيم الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل -طيب الله ثراه- الذي لمّ الشّمل بعد التفرّق وعالج الصّدع بعد التمزّق ليعمّ الأمن ويسود الاستقرار وتتوحّد البلاد. وتبدأ الدولة مرحلة النهضة والتنمية والرخاء على امتداد حدودها الجغرافية من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها بعد أن صنع لهذه الدولة قوتها وأوجد لها هيبتها وارتقى بمستواها.
وإذا كنا نحتفل بهذه المناسبة الجميلة، فإنما نحتفل بالمنجزات العظيمة التي تحققت، ونستلهم اللحظات المهمة التي شكّلت تاريخ دولتنا عبر مراحلها، ونقرأ الملاحم التي سُطِّرت، ونتابع التطورات المذهلة التي مرّت بها ونطالع النقلات النوعية السريعة التي تعيشها حاضراً زاهراً ومستقبلاً باهراً في هذا العهد الميمون عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، اللذين حققا للبلاد نمواً كبيراً في جميع المجالات، وصنعا لها مجداً رفيعاً في كافة الأوجه، وأوجدا لها مكانة عالية وثقلاً دولياً، حتى أصبحت رقما صعباً في الاقتصاد العالمي، وصارت محط أنظار دول العالم أجمع في المشهد السياسي باستضافتها القمم العالمية واستحقاقها بكسب الاستضافات الدولية الاقتصادية والرياضية والثقافية وغيرها.
ويظلّ يوم التأسيس لدولتنا السعودية من المناسبات الهامة التي نفاخر بها شعوب العالم.
ولنا أن نعتز بهذا التاريخ المضيء والماضي التليد والمجد العريق والمسيرة الرائعة لقادتنا الأشاوس.