تخيلدًا لذكرى والده ،ألّف الكاتب بول أوستر سيرة ذاتية بعنوان : “اختراع العزلة” ،ذكر فيها عن عزلة والده التي اتخذها لنفسه وعاش فيها حتّى رحل، جاءت السيرة كعزلة مرضية، القراءة عنها أو ممارستها ، تشعرك بأن هناك جانب نفسي خفي بحاجة لها، ولهذا بمجرد ما يتم التطرق لمفهوم العزلة تأتي التوصيات بالإبتعاد عنها، والتحفيز على ممارسة النشاطات التي تمنع تلك العزلة.
لكن وفي حقيقة الأمر، مع تسارع الحياة اليومية، وتزايد المسؤوليات العائلية والوظيفية، نحن بحاجة لتلك العزلة بعيدًا عمّا يكدِّر صفو مزاجنا ويعيد من توازن حالتنا النفسية، وهذا أمر لاعلاقة له بسوء الحالة النفسية بقدر ماهو متعلق بتحسينها من خلال خوض تجربته العزلة لفترة مؤقته تساعد على التعافي من التعب المتراكم على العقول والأجساد.
وقد جرّب هذه العزلة الكاتب والصحفي الإيطالي تيزيانو ترزاني، الذي قرر عزل نفسه لمدة شهر لم يتحدث فيها مع أحد، فقط استمتع بمراقبة الطبيعة ومشاهدة الفراشات، حتى عبر عن ذلك قائلًا: “أخيرًا أصبح لدي الوقت”.
وبالنظر لتجربة تيزيانو أو بعض ممّن قاموا بتجربتها، فإن العزلة تصبح تجربة ناجحة حين تكون برغبة الشخص، محافظًا على شعور الإيجابية الذي يساعده على التواصل مع الآخرين بعد خروجه من مدة العزلة، بالإضافة للشعور بالرضا عن الوقت الذي قام فيه بقرار العزلة.
وعلى الرغم من أن قضاء الوقت في العزلة له العديد من الفوائد، إلا أنها تظهر بشكل أفضل عندما يكون هناك أنشطة نمارسها خلال فترة العزلة، كقراءة الكتب أو مشاهدة الأفلام أو الشعور بالتحرر من الأفكار السيئة من خلال ممارسة الرياضة، أو حتى الانتهاء من بعض الأعمال العالقة، والتي لا تأخذنا من الهدف الحقيقي لقرار العزلة ألا وهو الراحة والبعد عن
معكِّرات المزاج، لأن السبب الحقيقي لكل من ممارسة العزلة هو التعرف على نفسك من خلال استكشاف الذات أثناء الاستماع لأفكارك التي تشعر معها بالسعادة، ومراعاة احتياجك، ورغباتك واهتماماتك. نعم تلك هي الحرية الحقيقية، حين تكون بمفردك، تركز بشكل كامل على نفسك، وتفكر فيما ينقصك للعمل على أن تصبح الشخص الذي تريد أن تكون عليه وما تريد تحقيقه، ولهذا إن اتخذت يومًا قرار العزلة، فكن معك نفسك ولا تخبر أحدًا بمكانك.