الإستقالة هي ترك الشخص وظيفته أو منصبه أو عمله ،وتقديم طلب إستقالة وفق أنظمة العمل المتفق عليها، فقد يضطر العامل لتقديم الاستقالة بسبب خلاف مع صاحب العمل ،أو بسبب تقصيره في أداء مهامه الوظيفية، فلا يجد سبيلاً إلا تقديم الاستقالة، شريطة أن يقدم إستقالته قبل انتهاء عقد العمل ،وبمجرد أن يوافق صاحب العمل على طلبه يصبح العامل غير مسؤول عن العمل والمهام الوظيفية التي كان ينجزها خلاله، وبهذا يكون طلب الإستقالة، بمثابة إخلاء مسؤولية العامل تجاه العمل وصاحب العمل،غير أن الإستقالة بطريقة مفاجئة، وبدون مقدمات ، ووسط مشروع مهم لم يكتمل، أمر خاطئ.
لقد ناقشت هذا الموضوع كثيراً من مختصين، كوني لم أعمل أبداً مع أي مؤسسة منذ تخرجي في الجامعة، بل بدأت مشروعي الخاص مبكراً جداً، وقد لا أبالغ إذا ما
قلت إن التقدُّم بالإستقالة ، هو أشبه ما يكون بالنطق بكلمة الطلاق، مع كل ما تحمله هذه الكلمة من مآسٍ و آلام، وغالباً ما تأتي الإستقالة بطريقة إنتقامية من قبل الموظف، وتُقبل أيضا بجفاء شديد من صاحب العمل الذي قد لا يقبل الإستقالة، بل يعتبرها نوعاً من أنواع الغدر!
السؤال الآن: لماذا لا يقدم الكثير من الموظفين إستقالاتهم بشكل صحيح وبعيداً عن شخصَنة الإستقالة؟
ولماذا لا تقدم الإستقالة بطريقة مشرّفة ، وتُقبل بتفهّم ، وتترك باب الود والإحترام مفتوحاً وعدم هدم الجسور؟ ولماذا تصل العلاقة بين الطرفين إلى هذا الحدّ رغم أن الإستقالة أمر طبيعي في عالم الأعمال ، وأن الإنتقال من وظيفة إلى أخرى، هو الآخر أمر طبيعي ،بل وحق مشروع للموظف،فقط يجب أن تتم وفق أسس مدروسة وتفاهم بين الطرفين.
لقد إلتقيت بكثيرين ممَّن قدموا إستقالاتهم بطريقة إنتقامية: فهذا قدّم إستقالته قبل أن ينتهي المشروع إنتقاماً من مديره الذي كان لا يقدِّر مجهوداته، وهو يعلم يقيناً أن مغادرته ، سوف تؤثر بشكل سلبي
على إتمام المشروع وإدارته، وذاك من تقاعس عن أداء عمله في شهر الإنذار ، وتجده يعمل ب 20 ٪ فقط من طاقته الإنتاجية رغبةً في إذلال مديره ، وهناك من يقوم بإتلاف ممتلكات الشركة التي كان يعمل بها قبل مغادرته، و غيرها الكثير من الأمثلة.
لاشك أنه رغم عدم موافقتي على مثل هذه التصرفات، فإنني أرى أن هذا نابع من سنوات أو شهور من إضطهاد الإدارة ، أو تجاهلها لتقدير الموظفين ، واضطهادهم بالعمل لساعات طويلة ، وهذا وارد وفي
ذات الوقت ليس عذراً، فهناك أخطاء شائعة قد يرتكبها الموظف عند تقديم الإستقالة ، منها عدم إخطار مديره المباشر بالرغبة في الإستقالة في الوقت الذي يخبر فيه جميع زملائه في العمل، فيكتشف المدير ذلك عن طريقهم ، والقاعدة هنا هي أن تخطرالمدير قبل الزملاء الموظفين.
بعض المدراء وأصحاب الأعمال -للأسف- يبادرون بالجفاء بعد أن يتقدم الموظف باستقالة، فلا يتكلم أحدهم مع الموظف ،بل ويتجاهله تماماً ،و يبدأ معه حرباً نفسية في الوقت القليل المتبقي له بالمؤسسة أو الشركة، وفجأةً تجد الموظف وقد تحول من موظف
إلى دخيل ، وفي بعض الأحيان إلى جاسوس يُخشى من أن ينقل أسرار العمل إلى الآخر المُنافس ،ولهذا ، ومن باب أولى ، الإجتماع مع الموظف ، وعدم تجنُّب المواجهة ،ولابدّ من معرفة أسباب الإستقالة، لأن تجنُّب المواجهة، تعني -حسب رأي المختصين في هذا المجال – أن الطرفيْن غير مستعديْن للإنتقال إلى المرحلة الأخرى، وأن أحدهما قد يضطر في مرحلة عملية ، إلى فصل موظفين او إنهاء عقود شركات ، وهذه الأمور بحاجة إلى مواجهة لأنها تُكسِب الموظف أو ربّ العمل صفات قيادية.
إن الحفاظ على علاقة إيجابية مع أصحاب العمل السابقين، حتّى ما بعد الإستقالة، يقدم فوائد للطرفين، فبالنسبة للموظفين، يفتح الأبواب أمام تعاون مستقبلي محتمل، و بالنسبة لأصحاب العمل، يعزِّز صورة الشركة الإيجابية، ويجذب المواهب ويحتفظ بها من خلال ثقافة الإحترام.
العالم المهني غالبًا ما يكون مترابطًا، والجسور المهدومة اليوم، يمكن أن تشكِّل عقبات غدًا، فيما يُظهر الحفاظ على العلاقات الودية ،النضج، ويعزِّز بيئة عمل صحية، ويفيد في النهاية الأفراد والمنظمات على المدى الطويل.
في ختام هذا المقال ،ينبغي التأكيد على أن الإستقالة حق من حقوق الموظف أو العامل ،وأنه لا يوجد ما يُعرف برفض الإستقالة،حيث تكفل لهما المبادئ الإدارية والإنسانية الحرية في ترك العمل ،وذلك للحفاظ على حريتهما في الإستمرار في العمل من عدمه وفق رغباتهما وتطلعاتهما.
ولهذا، أجد من الضروري هنا ، التأكيد على عدم تقديم الإستقالة بطريقة إنتقامية، والعمل على إنهاء الأمور بطريقة ودية ومحترمة، ممّا يمهِّد الطريق لفرص مستقبلية وتفاعلات مهنية إيجابية.
jebadr@