قضية

مختصات لـ«البلاد»: تراجع التواصل المباشر يضعف الترابط.. «ضغطة زر» تختصر العلاقات الاجتماعية

جدة – ياسر خليل

تراجعت العلاقات الإنسانية عند معظم الأفراد؛ بسبب ظروف الحياة وضيق الوقت، فأصبحت الأجهزة الذكية تقوم بالواجب نيابة عنهم بـ”ضغطة زر”؛ إذ يفضّل البعض إرسال رسالة عزاء أو دعوة بالشفاء وغير ذلك عبر الجوال، دون الذهاب بشكل مباشر للشخص المعني، ما أضعف العلاقات الاجتماعية كثيرًا.

وتؤكد مختصات لـ”البلاد” أن هيمنة الأجهزة الذكية، لا تبرر تراجع صلة الرحم وزيارة المرضى، فالملاحظ اجتماعيًا أن التواصل بين الأسر والأقارب والأصدقاء تراجع كثيرًا؛ نتيجة وجود الأجهزة وكثرة الانشغالات وتعدد الظروف الاجتماعية، فلم يعد هناك متسع من الوقت عند البعض للقيام بالواجب.


وتقول الأخصائية الاجتماعية حصة السيف: أصبحت الأجهزة الإلكترونية مهمة في مجتمعاتنا، ولها آثار إيجابية لاختصارها المسافات خاصة بالنسبة للأشخاص المغتربين عن أهلهم، بغرض الدراسة أو العمل أو الزواج والعيش في منطقة أخرى.

واستطردت قائلة: ولكن من آثارها السلبية هو تراجع العلاقات الاجتماعية؛ كونها أصبحت الوسيلة الأسهل، فقلت لدينا صلة الرحم مع الأقارب واللقاءات بين الأصدقاء، وحتى في تأدية الواجب في حالات الوفاة، فقد تم عمل قروبات ببرامج التواصل الاجتماعي مثل “الواتس آب” لتأدية هذا الواجب، وكذلك زيارات المرضى؛ حيث يتم استخدام أسلوب إرسال الهدايا إلكترونيا، بدلاً من زيارة المريض.

وأضافت حصة: داخل الأسرة أيضاً يكون الجميع في منزل واحد، ولكن كل منهم في عزلة بمكانه، ويكتفون بالتواصل ببرامج التواصل الاجتماعي، فأصبح عدد كبير منَّا يعاني من الرهاب الاجتماعي، وعدم القدرة على إيصال فكرته للشخص الذي أمامه؛ بسبب تعودنا على استخدام الهاتف الذكي لما فيه من عدم رؤية ردة فعل الشخص الذي أمامنا؛ خوفًا من تحطيم مشاعره فلا يستطيع التهرب من هذا الموقف بسهولة، كما في برامج التواصل الاجتماعي، فهو مقتصر بوقت معين لردة الفعل بعكس البرامج عن طريق المحادثات فأحيانًا يعبر عن رأيه بملصق أو بصورة متحركة تغنيه عن التعبير بالكلمات، فهنا أيضًا نعاني من صعوبة تطوير الحصيلة اللغوية فكل هذا يترتب لدينا من قلة التواصل. وتؤكد حصة في ختام حديثها: ” كل وسيلة لها جانبها الإيجابي والسلبي، فرغم أنها اختصرت علينا الكثير من الجهد، ولكنها أفقدتنا التواصل المباشر مع من نحب”.

أما الاخصائية الاجتماعية دلال العمري فتقول: مع موجة التحول الرقمي بالمجتمع، والتطور السريع لتطبيقات التواصل الاجتماعي، أصبح تواصل الناس بينهم وبين بعضهم أسهل من السابق، ما أضعف قوة الترابط وروح الألفة ومتعة الحديث المباشر؛ فتطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي نعمة أنعم بها رب العالمين علينا، فيجب أن نتعامل معها بذكاء وبشكل مقنن بعدم اعتمادها كعنصر أساس لصلة الرحم، والسؤال عن الأهل والأقرباء والأصحاب. لقد أصبحنا نفتقد رونق العلاقات كالسابق، فتفقد أحوال شخص مريض أو عزيز أو قريب برسالة إلكترونية لا يجعلنا نشعر به بشكل واضح؛ كزيارته وملامسة احتياجه. وأكدت أنه للعمل على حصر هذه الفجوة بالعلاقات؛ يجب علينا أن نستشعر مسؤوليتنا بالمبادرة بالتواصل الحقيقي المباشر من خلال الزيارات العائلية وتلبية الدعوات وتحديد لقاءات منتظمة للعائلة والأصدقاء، وقضاء وقت ممتع معهم بعيدًا عن التكنولوجيا، وأيضًا يجب أن يبادر الفرد من نفسه بزيارة المرضى، وتقديم العون والدعم لهم، مع الاهتمام بتعزيز صلة الرحم؛ فالتواصل الحي المباشر مع الأرحام يوثق العلاقات، ويشبع احتياجنا الإنساني والاجتماعي.


وفي السياق ذاته، تقول الأخصائية الاجتماعية صفاء شعبان: الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، وهو بحاجة إلى الشعور بالحب والتقدير والانتماء ممن حوله، فالعلاقات الاجتماعية توفر للإنسان الشعور بالاطمئنان والأمان والراحة والسكينة، وبالتالى يصبح قادرًا على المشاركة والتفاعل مع محيطه بصحة نفسية عالية واتزان.

وتضيف صفاء: التواصل الاجتماعى أصبح ضرورة ملحة، ومن الحاجات الأساسية في حياة الإنسان، لا يستطيع الفرد أن يعيش وحيدًا؛ مهما كثرت ملذاته، فمن الوعي أن يستوعب الشخص أهمية هذا الجانب ويستثمر فيه، حتى لا يعزل نفسه في بئر الوحدة المظلم؛ ظنًا منه بأنه الحل الأمثل، فالوحدة تقتل، ولها آثار صحية ونفسية مؤلمة على المدى القصير والبعيد.وتواصل صفاء حديثها: الكثير من الدراسات أثبتت أن أصحاب العلاقات الاجتماعية القوية الصحية؛ سواء كانوا من العائلة أو الأصدقاء أو المجتمع، يكونون أكثر سعادة ويتمتعون بصحة جسدية ونفسية أفضل، وأعمارهم أطول من الذين لا يبنون علاقات اجتماعية صحية، فالعيش وسط علاقات طيبة ودافئة تمنح حماية بشكل كبير من أي انهيارات مستقبلية.

 


وخلصت صفاء إلى القول: الإنسان بحاجة إلى الدعم النفسي والعاطفي من محيطه واختلال هذا الجانب سيؤثر بشكل كبير في حياة الفرد وشخصيته، فيصبح أقل اجتماعيًا، وأكثر انطوائيًا وأقل قدرة على فهم نفسه والآخرين، ويصبح أكثر خوفًا من مواجهة الحياة وتحدياتها، وثقته بنفسه ستتأثر فيصبح غير قادر على الإنجاز والعطاء، وتحقيق أهدافه، فتفقد حياته معناها، وقد يمتد هذا الأثر لعائلته ولمجتمعه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *