متابعات

مختصون لـ(البلاد) : اختيارهما قرار خاطئ.. العزلة والخجل يعيقان علاج المرض النفسي

جدة ــ ياسر خليل

يتردد بعض الأشخاص الذين يعانون من بعض المشاكل النفسية من التوجه للطبيب للعلاج؛ بسبب الخجل أو الوصمة الاجتماعية، إذ يفضلون العزلة عن المجتمع حتى لا يعرف أحد أقاربهم أو أصدقائهم بأن سبب حالة الانطوائية هو “المرض النفسي”.

ويرى مختصون لـ”البلاد” أن اصابة الفرد بالمرض النفسي يجب أن يقابلها التشخيص والعلاج، وليس العزلة والانطوائية، حتى لا تتفاقم الحالة وتدخل مراحل صعبة من المرض، وتصبح الأمور أكثر تعقيدًا.

تقول الأخصائية الاجتماعية وفاء العنزي: بداية  يجب الاعتراف بضرورة الحد من الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالأمراض النفسية، لأن التخلص منها  يشكل عاملاً أساسياً لتحسين الصحة النفسية في المجتمع ، وفي هذا الإطار يتضح أهمية تفعيل برامج التوعية من خلال الندوات والمؤتمرات؛ سعياً إلى تعزيز الصحة النفسية، الأمر الذي يسمح للأفراد عيش حياة هادفة مفعمة بالصفاء والشغف.

وقالت: إن التثقيف بأهمية الصحة النفسية يساهم في تحسين فهم التعقيدات النفسية، والوصول إلى مقدمي الرعاية الصحية أو الأطباء النفسيين، أو المعالجين في الوقت المناسب للعلاج النفسي، فمن أهداف برامج التوعية بالصحة النفسية؛ تقليل الوصمة الاجتماعية حول المرض النفسي، وذلك من خلال مشاركة الخبرات الشخصية للأفراد مع بعضهم البعض من خلال  تفعيل برامج العلاج الجماعي، وبالتالي فهي خطوة ضرورية في تصميم نموذج استباقي للصحّة النفسية والعافية؛ إذ غالباً ما تؤدّي المفاهيم الخاطئة حول الصحة النفسية إلى التزام الناس الصمت بشأن ظروفهم، ما يُفضي بهم إلى المعاناة من أمراضٍ يستحيل معالجتها.


وأكدت وفاء، أن نشر الوعي في المجتمع  يساعد في نبذ المفاهيم الخاطئة حول الصحة النفسية، وتمكين الأفراد على تلقي الرعاية اللازمة، والدعم الكافي لإدارة صحتهم النفسية وتحقيق أهدافهم.


من جانبه، يقول الأخصائي الاجتماعي صالح هليّل: قد يكون لدى بعض المصابين بالأمراض النفسية الاعتقاد الخاطئ بأن العزلة هي الخيار الأفضل لهم، ويمكن أن تكون هناك عدة أسباب لذلك، منها: الخوف من الوصمة الاجتماعية؛ حيث يخشى المصابون بالأمراض النفسية من تجربة التمييز والتهميش من قبل المجتمع، وقد يعتقدون أن الناس سينظرون إليهم بطريقة سلبية، ويعاملونهم بشكل مختلف إذا علموا بحالتهم النفسية، وأيضًا الخجل والعار قد يُشعران المصابين بالأمراض النفسية بالخجل والعار من حالتهم، وقد يعتبرونها ضعفًا أو عيبًا ولا يرغبون في مشاركتها مع الآخرين، وهناك أيضًا القلق من التسبب بالقلق للآخرين؛ إذ يخشى المصابون بالأمراض النفسية من أن مشاركة حالتهم ستسبب قلقًا وضغطًا على الأشخاص المقربين منهم؛ لذا قد يفضلون الحفاظ على العلاقات، بعيدة عن المشاكل النفسية.

وتابع هليّل: بالإضافة إلى ذلك هناك الاعتقاد بعدم الاستجابة للعلاج، فقد يكون لدى بعض المصابين بالأمراض النفسية اعتقاد خاطئ بأن العلاج النفسي لن يكون فعالًا، وبالتالي يفضلون الابتعاد عنه. وأكد هليّل أنه مهما كانت الأسباب، فإن الدعم الاجتماعي والمساندة العاطفية من الأصدقاء والعائلة يعتبران ضرورة أساسية لعملية الشفاء والتحسن.

وفي السياق ذاته، تقول الأخصائية الاجتماعية رغدة وهيب: يعتقد الكثيرون أن الذهاب إلى المعالج النفسي لن يكون أفضل من التحدث إلى صديق أو شريك الحياة، ويرجع هذا الافتراض لعدم الوعي بشكل جيد بالكيفية التي يتم العلاج النفسي بها، فالمحادثة وتلقي بعض الإرشادات ليست سوى جزء صغير من تجربة العلاج النفسي، وبمجرد معرفة الفرق بين العمل مع المعالج، والتحدث مع صديق، سيكون من السهل أن نرى كيف أن العلاج النفسي أكثر من مجرد دردشة مدفوعة الأجر مع شخص ما، وأن المعالج النفسي شخص محايد في إعطاء طرق العلاج الصحيحة ولا يتجرد للعاطفة. وأضافت: ليس كل من لجأ إلى المعالج النفسي أصبح مجنوناً أو شخصاً لديه أمراض نفسية، مع إيماني جدًا بأن كل شخص منا تعرض في حياته إلى أزمات وصدمات ومواقف نفسية ترسخت في اللاوعي، وبعض من هذه الأزمات والمواقف تركت فينا آثاراً خاصة إذا لم يتعرف عليها وعالجها.

ومضت رغدة قائلة: تتضمن بعض الآثار النفسية التعرض للتوتر والضغوط في حياتنا، وتسيطر علينا في يومنا ما يؤدي إلى نشر الطاقة السلبية للأشخاص المحيطين بنا، وانتشار الطاقة السلبية فيما نطلقه على الأشياء من أسماء، هو ما يخلق مشاعرنا، كما أن مقاومة التغيير يجعل من السهل أن تسيطر على حياتنا مشاعر الملل وانعدام الدافعية وحالات المزاجية السلبية، ويعود السبب في ذلك إلى إدماننا التواجد ضمن دائرة ارتياحنا وأماننا. لقد هيمن الروتين على حياتنا، حتى أصبح من المستهجن كسر عاداتنا اليومية وتغييرها، حتى إن كانت عادات سيئة، الأمر الذي أضفى على حياتنا طابع الملل والسلبية، وحولنا إلى أشخاص مقاومين للتغيير، دون أن نعي حجم النعم والفوائد التي أعقنا تجليها في حياتنا؛ إذ تقوم الحياة على التغيير، حيث يعد التجدد والتطور وحب الذات وتعزيز الثقة بالنفس وكسر الروتين وخلق عادات جديدة ومفيدة قانونًا من قوانين الحياة. وخلصت رغدة إلى القول: ليست كل مشكلة نتعرض لها بالضرورة، أن تكون بسبب مرض نفسي، قد يكون السبب بعض المواقف التي واجهتنا في مراحل رحلتنا بهذه الحياة، ولم نحسن التصرف فيها، وسببت لنا بعض التراكمات التى أثرت على طريقة تفكيرنا وتعبيرنا عن مشاعرنا، فالغضب الشديد قد يكون بسبب الضغط والتوتر المستمر، والاندفاعية قد تكون بسبب اضطراب الشخصية المعادية، واللا مبالاة قد تكون بسبب العامل العضوي والعامل النفسي والعامل الاجتماعي، فوعي الفرد بأهمية الصحة النفسية لا يقل أهمية باهتمامه بصحته الجسدية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *