تنبيه مهم يظهر على المرايا الموجودة على جوانب السيارة، ولعلها إنذار مسبق حتى لا يقع السائق في وهم الظاهر له ويقدم على حادث نتيجة لذلك، هذا التنبيه يغفل عنه الكثير خاصة حديثي العهد بالقيادة، ليس تعمُّداً منهم أو إدعاءً للإحترافية ،إنما لأن مهارات قيادة السيارة للمبتدئين تكون متعدّدة ومتشعِّبة ممّا يجعل جمعها والتركيز عليها جملة واحدة ،أمراً معقداً بعض الشيء، وهذا ما يجعل المدربين في هذا الحقل يتّسموا بالجمود والصرامة، فلا ينجو في اجتياز الإختبار الأولي منهم إلا القليل، لتفاجأ برسالة تصلك من مدرسة القيادة في اليوم التالي مكتوب فيها : ” لا يجيد القيادة” ويتوجب عليك التدريب لمدة ثلاثون ساعة حتى تحصل على الرخصة، وكم كانت صدمتي عظيمة عندما وصلتني الرسالة التي خالفت اعتقادي في نفسي بأنني على الأقل أجيد بعض المهارات منها، على سبيل المثال ركن السيارة إلى الخلف وأعتقد أن هذا فقط ما استطعت أن أجيده.
وأنا مع المدربة الغاضبة ،لن أذكر كيف توتّرت من طريقتها في توجيهي بسبب التمتمات التي كانت تصدر عنها عند تصرفي الخاطئ، ولن أدعي أنني قائد ماهر يستحق الاجتياز، إنما كانت توقعاتي تقول لي أنني على الأقل سأحصل على تقدير متوسط وهو ما حصلت عليه ابنتي التي كنت أراها قائدة بارعة.
كل تلك النتائج جعلتي أفهم ما تعنيه عبارة الأجسام لا تظهر بحجمها الطبيعي، لأدرك أننا في بعض الأحيان نصدر أحكاماً على الآخرين من خلال ما تظهره لنا المرايا الجانبية من شخصيتهم، وهي مؤكد ليست حقيقية لأنها أظهرت بعض الجوانب فقط التي تعمّد الشخص أن يظهرها لنا بقصد أو بدون قصد وبقيت الأهم مختبئة داخله، لا يعلمها سوى الله سبحانه وتعالى، ثم بعض الأشخاص الذين منحهم الله بصيرة عالية تكوّنت مع السنين، ليرددوا بيننا دائماً عبارة :(لا تحكم بالظاهر فالله مسدل ستره على الناس وهو الأعلم بالنوايا) قد يقول البعض : (أنا غير ملزم بالداخل فهو عند الله ولي بما يظهر أمامي)، هذا الأمر يجعلني أطرح سؤالاً على هذا الشخص ، وهو: هل تحب أن أعاملك بما تظهر؟
قبل أن تجيب بثقة قد لا تكون مدركاً لها ، لديّ تجربة لطيفة قد تجعلك تقرر الإجابة بصورة أعمق، إصنع فليماً مصوراً لك في يوم من أيامك العادية، وفي آخر اليوم وأنت تجلس على أريكتك تحتسي كوباً من القهوة، أو فنجاناً من الشاي، أو كأساً من العصير، وتتجاذب الحديث حول أحداث اليوم “من وجهة نظرك” مع من معك في المنزل ، قم بعرض الفيديو الذي قمت بتصويره سابقاً وشارك به من معك.
إنني أكاد أجزم أنك ستصعق بما تراه لأنك سترى شخصاً آخر لا تعرفه، شخص قد يكون مر بك شبيه به في أحد الأيام في عملك أو في الأماكن التي تتردّد عليها، ستقول لنفسك :”لو كنت ممّن يتقن الإعتراف بأن الأجسام لا تظهر بحجمها الطبيعي إلا عندما نحيطها بالمرايا من كل الجوانب).
في تلك اللحظة فقط ،ستعرف معنى الستر الجميل الذي ذكره كبارنا في دعائهم قائلين: ” اللهم جمِّلنا بسترك الجميل”.
eman_bajunaid@