كثير ممّن تقاعدوا ، كان تقاعدهم على الورق فقط وفي السجلات الرسمية ، لكن شغفهم بعملهم ، قادهم للإستمرار ومواصلة العطاء لإيمانهم بالرسالة التي تقلدوها منذ انخرطوا في العمل.
هناك من المتقاعدين والمتقاعدات ، كان يجب على الجهات التي عملوا بها عمراً، التوقف عند تقاعدهم خاصة تلك التي تعتمد على التفكير والتخطيط وصنع الرؤى مثل هؤلاء والمتميزين منهم على وجه الخصوص ،التفريط بهم خسارة كبيرة وأيّ خسارة؟
فحين تجتمع الخبرة الطويلة مع القدرة المتوهجِّة على العطاء ، تصبح الإستفادة من مثل هؤلاء ضرورة، والتغاضي عن ذلك خسارة، لكن ورغم ذلك، كثير من المتقاعدين والذين كما ذكرت شغوفين بعملهم ذلك الشغف الذي يظل متّقداً حتى بعد تقاعدهم فكم منهم من مختصين في علوم مختلفة وكم من خبراء إستشاريين وتربويين ومهندسين ، فتحوا صفحات جديدة في حياتهم بعد أن تم طي صفحاتهم في الجهات التي عملوا فيها عمراً ، لكنها للأسف لم تحسن الاستفادة منهم.
وكم من متقاعدين ركنوا إلى الراحة رغم أنهم كانوا متميزين جداً في أعمالهم وربما نالهم شيء من الإحباط حين رأوا غيرهم حاول ويحاول لكن باءت المحاولات بالتعثر وربما الألم ، لكنني حقيقة أقف مع الإصرار والإستمرار إذا كان الشغف كبيراً خاصة عند أولئك الذين تخصصاتهم تخدم الوطن والمواطنين وفيها فائدة للمجتمع ومساهمة في بنائه أولئك الذين تخصصاتهم تعتبر حاجة وليست وجاهة ومن هؤلاء أولئك الذين انخرطوا في الخدمة الاجتماعية علماً وعملاً دام سنوات حتى تقاعدوا وهمتهم لاتزال في أوجها -ما شاء الله-.
دعوني أذكر على سبيل المثال الذي يُحتذى، الأستاذة (نورة بنت عبد العزيز آل الشيخ) ، إبنة العالم ورجل القضاء الشيخ عبد العزيز آل الشيخ -رحمه الله- والذي منه تعلمت وتعلّقت بالخدمة الإجتماعية ومساعدة الآخرين رغم أن تخصصها أدب عربي لكنها حاصلة على دبلوم خدمة إجتماعية . كانت مدير عام الإشراف الإجتماعي في منطقة مكة المكرمة سابقاً تدرجت في السلم الوظيفي من باحثة بالمرتبة (6) إلى وكيل وزارة بالمرتبة (14) لها العديد من المنجزات لعل من أهمها على سبيل المثال لا الحصر تأسيس قسم رعاية الطفولة والأطفال المشلولين بمكتب مكافحة التسول بالطائف ،ثم تأسيس مؤسسة رعاية الأطفال المشلولين بالمنطقة الغربية والجنوبية ،ولازال شغفها بهذا المجال يتواصل .
ومن خلال معرفتي بها فهي ممّن يزرعون الشغف في العاملين معها ، ومن هنا بعد تقاعدها من العمل الاجتماعي رسمياً وبعد خدمتها الطويلة فيه ومآثرها التي لاتعدّ في هذا المجال ،وجدت نفسها تواصل العمل بمزيد من الحب ،فأسست في عام 1439هجري بمنطقة مكة المكرمة جمعية (دعم) لخدمة ورعاية الأرامل والمطلقات وأبنائهن ،وللجمعية رسالة سامية وأهداف نبيلة تتعاون فيها مع منصّة إحسان ومع إمارة منطقة مكة وأمانة محافظة جده ومع وزارة الإسكان ووزارة الموارد البشرية ، ومع كل هذه الجهات قامت ( دعم ) منذ تأسيسها ، بتوفير 990 وحدة سكنية للمستفيدات بالإتفاق مع وزارة الإسكان ، وتم سداد إيجار 473 أسرة من متضرري الإزالة بالإتفاق مع أمانة جده ، كما تم تقديم مساعدات مالية بقيمة 28 مليون ريال سعودي لقضاء إحتياجات وسداد فواتير وكفالات تعليمية لأبناء المستفيدات كما تم توفير العديد من الدورات التدريبية للمستفيدات وأبنائهن لتحقيق الإستدامة وتوفير فرص العمل . فالجمعية رسالتها التمّكين بالدرجة الأولى: (أن تعلمني الصيد خيراً من أن تعطيني كل يوم سمكة).
حقيقةً أن هذه الجمعية من المؤسسات التي يفرح بها الوطن ،وتستحق المساندة والدعم ،ولن يكفينا أن نقول شكراً للأستاذة نورة رئيسة مجلس الإدارة ولكل أعضاء المجلس معها ولكل الجهات الرسمية المساندة لخدمة فئة غالية على المجتمع ( المطلقات والأرامل) كلنا نقف إحتراماً للدعم ودمتم.
@almethag