عبدالله صقر – مركز المعلومات
يُجمع أغلب المؤرخين على وصف الكندي بفيلسوف العرب الأول، مستندين إلى منهجيته الفلسفية وصياغته للمصطلحات ومشاركته المهمة في نقل أعمال أرسطو والأفلاطونيين الجدد في العلوم والرياضيات إلى اللغة العربية، ودراسته لفلسفة علماء الهند، وتفسيره لنظرياتهم، وتعليقه عليها.
تعرف الفلسفة في بذل للجهد في سبيل المعرفة الخالصة والحقيقة أيّاً كانت هذه المعرفة؛ سواء طبيعية أو رياضية، أو غير ذلك.
اهتم الكندي بالرياضيات والهندسة من جهة، وبالفلسفة من جهة أخرى، وتفرد بين العلماء العرب بمحاولاته في المزج بينهما من خلال فلسفة الأعداد؛ باعتبار أن الفلسفة محاولة لمعرفة الطبيعة، أو الرياضيات.
صاغ الكندي نظريات أسلافه بأسلوب واضح ومفهوم بالنسبة لمعاصريه، فأقبل فلاسفة عصره على قراءة كتبه إقبالاً قلَّ نظيره، لحسن اختياره للكتب التي ترجمها وفصاحته في صياغة جملها.
– فلسفة الأعداد عند الكندي
بحث العالم والفيلسوف اليوناني فيثاغورس في نظرية الأعداد، وكانت الأعداد بالنسبة له مرتبطة بالمفاهيم غير الملموسة، وربط بذلك بين الرياضيات والفلسفة فكان الواحد- وفقًا له- مرتبطًا بالعقل، والاثنان بالفكر والأربعة بالعدالة. لا يوجد ارتباط واضح بين كتابات فيثاغورس المتعلقة بنظرية الأعداد ومؤلفات الكندي المتعلقة بـ فلسفة الأعداد.
عمل الكندي على التمييز بين الوِحدة والتعددية من خلال رفضه للعدد واحد؛ بصفته عددًا، ووصفه بأنه وحدة، أو (Unit)، تنبثق منها التعددية. وفي محاولاته للوصول إلى هذه النتيجة استعان الكندي بـ فلسفة الأعداد والرياضيات عند كل من أفلاطون وأرسطو لبناء حجة متينة.
عانى الكندي في محاولاته لصياغة هذه الآراء في فلسفة الأعداد والرياضيات؛ لأن اللغة العربية لم تكن في عصره تحتوي على المصطلحات الفلسفية المناسبة، ما اضطره إلى صياغة كلمات جديدة للتعبير عن أفكاره الفلسفية.
بحث الكندي في إمكانية أن يكون الواحد عددًا، دون أن يكون كمية، بينما بقية الأعداد جميعها كمية، وفي هذه الحالة لن يكون للوحد خاصية الكمية؛ أي كونها متساوية وغير متساوية.
يمكن وفقًا للكندي، تسمية الواحد عددًا باشتباه الاسم (equivocally) وليس بالطبع (by natur)
أي بالتّسمية فقط وليس بالفعل، وستكون هذه هي الطريقة الوحيدة لوصف الواحد بالعدد.
الكندي والرقم 1
اعتبر الكندي الواحد وحدة لقياس الأعداد، وليس عددًا، مستلهمًا ذلك من أفكار الفلاسفة اليونانية، ولاسيما أرسطو. عرف أرسطو الأعداد على أنها مجموعة من الواحدات، وقام بتوضيح التشابه بين الوحدة في الأعداد ووحدات القياس.
رأى الكندي أنه من الممكن أن يكون العدد 2 قلة مطلقة كأول مجموعة، وبالتالي فهو أول عدد، لأنه رأى أنه من الممكن أن يتم تحديد التفرد عبر الوحدة التي يتم احتسابها بالواحد. كما اعتقد أن الوحدة غير قابلة للتجزئة مثلها مثل أي وحدة قياس، والعدد واحد لا يمكن تقسيمه كبقية الأعداد، فهو عدد باشتباه الاسم، وليس بالطبع.
يرى الكندي أنك وكما تحتاج لوحدة طول مثلًا لقياس طول ما، فإنك تحتاج إلى وحدة للعد لعد الأعداد، وهذه الوحدة هي الواحد. وبما أن المتر ليس مسافة بحد ذاته وإنما وحدة قياس للطول، والغرام ليس وزنًا بحد ذاته، وإنما وحدة قياس للوزن، فالواحد ليس عددًا وإنما وحدة قياس للأعداد. وفي ذلك يوضح الكندي :
«فإذًا الواحد ليس بعدد بالطبع، بل باشتباه الاسم؛ إذ ليس تقال الأعداد إلا بالإضافة إلى شيء واحد: فالطبيات الى الطب، والمُبرئات إلى البُرء».
ويحتج الكندي في رفض تصنيف الواحد كعدد بقوله:
“تميز الواحد بالفردية مقارنة مع الأعداد الأخرى التي تتصف بالتعددية. يعبر كل من القليل والكثير عن التعددية، لكن الفرق الوحيد هو أن الأول يعتبر أقل من الثاني في المقارنة. فعلى سبيل المثال، يمكننا اعتبار أن العدد 10 قليل عند مقارنته مع العدد 100 (الكثير في هذا المثال)، وبنفس الوقت يمكننا اعتبار العدد 100 قليل بالمقارنة مع الرقم 1000، وعلى هذا الأساس، يمكننا اعتبار العدد 2 هو القلة المطلقة، أو التعددية الأولى كما أسماها أرسطو.”
إسهاماته العلمية في الحساب والهندسة
كتب الكندي أربعة كتب عن استعمال الأرقام الهندية. كما قدم الكثير في مجال الهندسة الكروية لمساعدته في دراساته الفلكية. راقب أوضاع النجوم والكواكب، خاصة الشمس والقمر، بالنسبة للأرض وما لها من تأثير طبيعي، وما ينشأ عنها من ظواهر. وأتى بآراء خطيرة وجريئة في هذه البحوث.
كما أن الكندي كان مهندساً بارعاً، يرجع إلى مؤلفاته ونظرياته عند القيام بأعمال البناء، خاصة بناء القنوات، كما حدث عند حفر القنوات بين دجلة والفرات. وتتجلى إسهاماته في الطب في محاولته تحديد مقادير الأدوية على أسس رياضية. وبذلك يكون الكندي هو “أول من حدد بشكل منظم جرعات جميع الأدوية المعروفة في أيامه”.
وفي الحساب له رسالة في المدخل إلى الأرثماطيقى: خمس مقالات؛ ورسالة في استعمال الحساب الهندسي” أربع مقالات”، ورسالة في تأليف الأعداد. ورسالة في الكمية المضافة، ورسالة في النسب الزمنية.
أما في الهندسة، فله رسالة في الكريات، ورسالة في أغراض إقليدس، ورسالة في تقريب وتر الدائرة، ورسالة في كيفية عمل دائرة مساوية لسطح إسطوانة مفروضة.