اجتماعية مقالات الكتاب

الصور الحسية من خيال الكاتب للقارئ

سيكون من الرائع جدًا أن يكون أمامك “صحن المندي” بجانبة مشروب بارد وعلبة الشطة وأنت تأكله مستمتعًا بكل لقمة تدخل فمك دون أن تشعر بالشبع.

أعلم أنك عزيزي القارئ، حين قرأت هذا الوصف، تبادر لذهنك عددًا من الأحاسيس الممتعة، فإما أنك رأيت المندي، أو شممت رائحته أوتذوقت طعمه في فمك أو حتى شعرت بإحساس لذة الجوع وهو أمامك مستعدًا لإلتهامه.

ما فعلته هنا هو أني أشركت حواسك الخمس بصورة أدبية بما يسمى “لغة الوصف”، حيث أني استخدمت الخيال وصنعت صوراً ذهنية لبثّ الحياة على الورق حتى وصلت إليك وشعرت بما كتبته وكأنه حقيقة عشتها من خلال القراءة، حيث أن وصف طعم شيء ما، أو رائحته، أوصوته، أو ملمسه، يجعل المشهد ينبض بالحياة.

ويعتمد الأدب على هذه اللغة بصورة واضحة حيث يمكن لصفحة أو سطر ضمن الرواية أو قصيدة أن تحتوي على العديد من الصورالوصفية التي قد تكون مرئية و تحفّز حاسة البصر، كما فعل وصف جورج أرويل في روايته 1984 حين جعل من وصف النافذة مشهدًا سوداويًا حين ذكر: “وعلى الرغم من أن زجاج النافذة كان موصدًا، فقد كان الجو خارجها يبدو باردًا، وفي الشارع كان زوابع الرياح تثيرالغبار والأوراق الممزّقة فتتصاعد لأعلى في أشكال حلزونية”

من ناحية أخرى، نجد أن رواية”العطر” ل “بتاريك زوسكيد”، تشعل حاسة الشم منذ المرة الأولى التي شمّ فيها غرنوي رائحة أربكته خلال الإحتفال وجعلته يسعى خلفها، ودهشته حين اكتشف المسافة بينه وبين تلك الرائحة ومصدرها حين كتب: ” النبع كان الفتاة”.

ولو تأملنا رواية “كالماء للشوكولاتة” للكاتبة “لاورا إسكيبيل، نجد أن طعم البهارات والحلوى والحب ، تصلنا مع كل صفحة نقلبها وخصوصا طعم الماء الحلو في الوصف الذي ذكرت فيه الكاتبة عن تناول البطيخ: “سمعت “تيتا” من أرجوحة نومها ،كيف أن أحدهم قد نهض ليتناول قطعةبطيخ”. فمبجرد قراءة هذا النصّ، يصل الطعم للسانك وكأنك تناولته للتو.

وبما أن الصور اللمسية تثير حاسة اللمس، وتتضمن الملمس والأحاسيس العديدة التي يشعر بها الإنسان عند لمس شيء ما. وتعدّ الاختلافات في درجات الحرارة أيضًا جزءًا من الصور اللمسية، وهذا ما نشعر به عند قراءة الأدب الروسي الذي يشعرك بالثلج في كل مرة تقرأ رواية، أو الشعور وكأنك تلمس كتابًا خصوصًا عند قراءة “مقبرة الكتب المنسية” للمؤلف “كارلوس زافون”، ومقاربًا لها نجد أن قراءة الأدب قصة كان أو شعرًا ، فإنه يشعل الحواس بالحركة، خصوصاً إن كان ذا حماسة في الحرب أو حزنًا لأن قلب أحدهم كسره الحب بين الكلمات أو حتى الصمت والهدوء ثم الضوضاء الذي شعرت بهما عند قراءة “مذكرات الأرقش” لميخائيل نعيمة في الوقت الذي كتب فيه: “الجمعة سكوت. السبت سكوت . الأحد معترك الحياة”، ولهذا يصل الكاتب لمرحلة الإبداع حين يشعر القارئ أن النصّ الذي أمامه وصل لأحاسيسه بدلاً من عينيه فقط.

‏‪@i1_nuha

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *