يتداعى العلوج من كل حدب وصوب على فلسطين منذ عام 1948، أي منذ 75 عاماً وهو العام الذي زرع فيه الاستعمار الغربي هذا الكيان الذي يسمونه إسرائيل داخل الوطن العربي. هذه السنوات قصيرة في عمر الدول وخاصة إذا عرفنا أن المسلمين كانوا يسيطرون على أسبانيا لأكثر من 800 سنة ولم تنفعهم هذه السنوات الطويلة من الاحتفاظ بها. تعيش الدولة الصهيونية الآن أضعف حالاتها خاصة بعد السابع من أكتوبر عندما أثبت الفلسطينيون أنها كيان هش. إسرائيل كيان استعماري بُنِي على باطل ولا يجد المدافعون عنها من الملتحقين في جيشها أي دافع أخلاقي يحاربون من أجله.
بل إنهم يدركون أن اليوم الأسود قادم لا محالة. هم مجرد لصوص وقطّاع طرق في أفضل حالاتهم. وفي المقابل من الناحية الأخرى، يجد الفلسطينيون دافعاً أخلاقيا كبيراَ في مقاومة المحتل والدفاع عن أرضهم وعرضهم وهذا يفسّر الشجاعة الكبيرة التي أبدوها في المواجهة الحالية حيث ألحقوا بأسلحتهم التقليدية خسائر كبيرة في جيش يمتلك ترسانة ضخمة من التسليح العسكري الحديث ومعلومات استخبارية وتقنية دقيقة إلى الدرجة التي رأينا فيها الفلسطينيين يتسلّلون ويقومون بعملية إنزال خلف خطوط الجيش الصهيوني المتمرّكز حول غلاف غزة وهو يحاول شنّ هجوم بري.
حاول نتن ياهو تحويل هذه الحرب إلى حرب دينية في خطاب له عندما ذكر قصة نبوءة أشعياء التي لا يعرفها أحد. لم يرد ذكر هذا الاسم في القرآن الكريم أو السنة النبوية لكن الواضح بالنسبة لنا كمسلمين أن هذا الصهيوني من الذين هادوا يحرّفون الكلم عن مواضعه. الساخر في الأمر أن هذا الرئيس الصهيوني الخبير نتن ياهو (74 عاماً)، الذي تسلّم منصب رئاسة الوزراء ثلاث مرات كان أولها في 1996 ويعتبر الرئيس الأطول مدة في تاريخ الدولة الصهيونية وخاض الكثير من الحروب ضد غزة بالذات، يستخدم لغة دينية. هذا الصهيوني العلماني يتحدّث عن الصلاة والدعاء من أجل سلامة جنوده الخائفين. ربما الخوف والذعر من اليوم الأسود قد أوصله إلى هذا التديّن المفاجئ. يقول النتن ياهو: “نحن أبناء النور وهم أمة الظلام .. سينتصر الخير على الشر والنور على الظلام.” العرب هنا يمثّلون الظلام والشر من وجهة نظره. لكن الحقيقة التي يعلمها الجميع أن هذا محضّ دعاية مجانية كاذبة لا أساس أخلاقي أو إنساني لها. بدا واضحاً الارتباك الكبير والتخبّط في قراراته منذ اللحظة الأولى. لا يجد المتابع لأداء الحكومة الصهيونية أي صعوبة في إدراك ضعفها في التعامل مع هذه الأزمة مثل تلك الحادثة التي اعتذر فيها نتن ياهو من تغريدة هاجم فيها الأجهزة الأمنية حول تقصيرهم في إبلاغه وتحذيره بالهجوم الوشيك من قبل الفلسطينيين.
لا شك أن السردية الصهيونية قد انكشف عوارها وفهم العالم كذبها وزيفها أمام القضية العادلة القوية للشعب الفلسطيني. إسرائيل كيان نشأ على الظلم. قد يمهل الله الظالمين لكن أخذه لهم أليم شديد.
khaledalawadh@