تحول اجتماع يوم الجمعة وحديث القهوة من السؤال عن حكايات الأسبوع التي مررنا به ،إلى الحيرة من قلّة الخيارات لأماكن الخروج من المنزل والتي تناسب صغار العائلة، حينها بدأنا بتذكُّر قصص انتظار صلاة العصر للخروج إلى الحارة واللعب مع أبناء وبنات الجيران،ورغم وجود أسطح المنازل التي تمكننا من اللعب عليها، إلا أن روتين العودة إلى المنزل بجرح في القدم أو بجعرمة نتيجة إصابة في الرأس أجمل من أمان تلك الأسطح.
ورغم أمان الوطن والمكان، إلا أن “لا” الأمهات المغلَّفة بالقلق ،كانت ترنّ في آذاننا كل يوم: “لا حد يقول بوديك البقالة، لا تمشي ورا غريب، لاحد يعطيك ريال ويضحك عليك”، كانت تلك اللاءت بمثابة الدرس اليومي الذي ننتظر أن ينتهي حتى نلتقي بأبناء الجيران وأحيانا بأقاربهم الذين يكونوا في زيارة لهم، وهذا ما جعلنا في الحقيقة حتى اليوم بسطاء جدًا و اجتماعيين ننكر بشدة التعالي على الغير وننبذ العنصرية،ونتقبل الآخرين برحابة صدر، نحمل برؤوسنا حكايات متشابهة عن ماضٍ كلما تذكرناه ،شعرنا بالحنين الطافح بالرقّة، لأن الشارع الواحد في الحارة ،يحمل بيوتًا من شتّى الدول، حتى تظن وكأن خريطة العالم وجدت في ذلك الشارع وغيرها من الشوارع الأخرى العامرة باللهجات واللغات التي كان الأُمهات يفهمنها فيما بينهن مع حديث الشاي و”الفصفص”، أو عند أبواب المنازل ونحن نتعفّر بالتراب أمامهن.
و بالعودة بالذاكرة لذلك الوقت مقارنةً باليوم، وخصوصا أن نافذة غرفتي تطلّ على حارتنا، فإني أشفق على الصمت الدائم الذي يحيط بجميع الشوارع التي حولنا ،وعلى صغار اليوم الذين أصبحوا في أغلب الوقت على الأجهزة الإلكترونية، حيث أنهم لا يعرفوا معنى الحياة الإجتماعية الحقيقية التي من المفترض أن يعيشوها كبقية من في أعمارهم، بالرغم من عدد الحدائق التي وفّرتها الدولة في كل حي مجهّزة بكامل سبل اللعب و المتعة، لكنهم وبالنظر لأطفال عائلتي، فإني أشفق عليهم من محيط المنزل والمدرسة اللذين لم يجربوا فيهما معنى انتظار صلاة العصر، والإلتقاء بأطفال الحي، ممّا جعلهم خجولين لا يمكنهم تدبّر أمور حياتهم دون تدخل أمهاتهم، بل وأصبح بعضهم يغضب لمجرد منعه من هاتفه النقّال أو ألعابه الإلكترونية.
لكن في المقابل وما فعلته المملكة ضمن برامجها السياحية، من المحافظة على بعض الأماكن التاريخية لكل منطقه وتحويلها لمواقع مفعمة بالأصالة والذكريات بل والأنشطة التي تحافظ على تراث المنطقة، فإن ذلك يساعدنا على أن نعود لشعور البهجة الذي كان يغمرنا بطفولتنا كلما عبر الحنين لقلوبنا، فبكل سهولة نذهب إليها برفقة الصغار الذين سيكون لهم ذكريات سعيدة يشاركوا بها أصدقاءهم في المدرسة أو من شتّى أنحاء العالم عبر حارتهم الخاصة في الأجهزة الصغيرة التي بين أيديهم.
@i1_nuha