اجتماعية مقالات الكتاب

فجوة تواصل

دخلت صالون حلاقة شعبية رخيص في هذه المحافظة الصغيرة. في المحافظات البعيدة عن المدن، لا يوجد صالون حلاقة فاخر من فئة الخمس نجوم. الحلّاق عادة في مثل هذه الأمكنة يكون قد جرّب عدة مهن مختلفة كأن يكون بنّاءً أو سبّاكاً أو مليّصاً قبل أن يكتشف صدفة موهبته في الحلاقة ويتخذها مهنة له.

كان على كرسي الحلاقة رجل تجاوز الخمسين من عمره أسلم رقبته لهذا الحلّاق الذي يبدو من خلال لباسه وهيأته أنه باكستاني.
جلست على أحد الكراسي المهترئة في الصالون منتظراّ دوري في الحلاقة إذ يبدو أن الحلاق كان على وشك أن ينتهي من هذا الرجل الذي كان يراقب وجهه في المرآة بقلق شديد. شعرت بالقلق معه أيضاً وأنا أراقب الموقف عن قرب.

تركت هاتفي المحمول ووضعته في جيبي فأمامي ما هو أكثر إثارة منه.
لا يبدو أن هذا الرجل يشعر بالرضا وهو يتابع صورته بالمرآة لكنه لا يستطيع أن ينبس ببنت شفة، والسبب واضح.
من هو المجنون الذي سيغضب الحلاق وهو يمسك من الخلف برقبة الزبون بيد والموس الحاد الجديد الذي يلمع باليد الأخرى؟ من الواضح أن الحلاّق قد ارتكب خطأ ما في حلاقة ذقنه أو شاربه. ربما لم تكن ذقنه مثل دواة الحبر. كيف سيوصّل لهذا الحلاق الباكستاني مفهوم دواة الحبر؟ لن يفهمها جيل الألفية من المحليين فما بالك بجيل الألفية من الجاليات؟ أو ربما يكون الجانب الأيسر من الشارب لا يماثل الجانب الأيمن، أي أن يكون أحدهما أطول من الآخر ولعلّ هذا هو السبب إذ بدا شارب الرجل كما لو كان مقود دراجة هوائية (سيكل) قديمة دهستها سيارة من جانب واحد فقط. لاحظت أن الحلاق أمضى وقتا طولاً وهو يحاول ضبط الجانبيين لكنه كلما قص جهة ما بدت الجهة الأخرى أطول قليلاً، واستمرّ في المحاولة لتعديل الأمر لكن في كل مرة الأمر كان يزداد سوءاً حتى أن الرجل بدا في النهاية كما لو كان شارلي شابلن أو أدولف هتلر.

الحل مع هذا الحلاّق الباكستاني هو أن تحلق شاربك كلّه أو ذقنك كلّها أو تعفيهما تماماً. التعليمات لن تصل أبداً إليه إذا كنت تريدهما بين الحالتين. سيكون هناك دائما فجوة في التواصل أو ما يسمونها بالانجليزية communication gap سببها أنه هذا الحلاق سيتعامل معك من خلال ثقافته الخاصة ولنقل ثقافة بوليوود في الوقت الذي تريده أن يكون خبيراً بثقافة مالك إبل ثري يجلس مع ندمائه وهو يمسك بسبحة صفراء ويداعب دواة الحبر إياها. كان الرجل ينتظر بفارغ الصبر أن ينزل من كرسي الحلاّق ويبتعد عن الموس ذي النصل الحاد البراّق الذي كان بيد الحلاّق. بعد أن نزل الرجل من الكرسي وتأكّد أن الحلاق تخلّى عن موسه اللعين أمسك بتلابيبه وأخذ يجرّه في الغرفة وهو يصرخ في وجهه: كيف سأقابل الناس؟ ماذا أفعل الآن؟ هل تريدني أن أعتزل الناس؟ أسافر؟ ماذا أفعل؟ خرج الاثنان من المحل إلى الشارع وهما يتجاذبان الأطراف والحديث الغاضب. ركبت سيارتي وغادرت المكان وأنا ألحظ في المرآة الخلفية الغبار الذي تجمّع حول صالون الحلاقة.

khaledalawadh@

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *