عبد الله صقر – مركز المعلومات
مُحَمَّدٌ بْنُ أَحْمَدَ البِيرُونِيّ، المعروف بأبي الريحان، وصف بأنه من بين أعظم العقول التي عرفتها الثقافة الإسلامية.
من جهة أخرى، فإن أبا الريحان علامة مُسلم نابغ ذو عقلية فريدة من نوعها، فلُقِب بالأستاذ؛ إذ إنه كان عالمًا وباحثًا من نبغاء عصره، واسع الاطلاع، ومُحبًا للبحث. ولد البيروني في ظاهر، التي تقع في مدينة خوارزم في أوزبكستان في تاريخ 4-9-973م، وسميت القرية فيما بعد بقرية بيرون على اسمه، ومن جهة أخرى كانت خوارزم مدينة مزدهرة ومتقدمة ثقافيًا، وهي ملتقى للحضارات اليونانية، والهندية، والفارسية، والصينية المتعاقبة.
وبسبب وجوده في خوارزم، ولأن مكانه تحيط به العديد من القوميات والأعراق، فقد أتقن أبو الريحان البيروني عددًا من اللغات غير العربية؛ كالفارسية والسنسكريتية والسريانية واليونانية، التي مهدت له الطريق للغوص في الثقافات المتاحة من حوله، فأجاد ترجمة الكتب المختلفة وتأريخ الأحداث، وكان بمثابة عالم لغوي، وفيلسوف، ومؤرخ عظيم، فضلًا عن معرفته بعلم الفلك، والجغرافيا، والاقتصاد، وعلوم النباتات، وغيرها من النواحي والمجالات العلمية البحتة،
ولما بزغ نجم البيروني، قرَّبه إليه السلطان محمود الغزنوي، الذي كان يهتم بتكريم العلماء، وقد رافق البيروني السلطان الغزنوي في غزواته في الهند، ومكث بها 40 عامًا، اطلع خلالها على الثقافة الهندية ودرس الديانات والفلسفات الهندية، كما تعلم اللغة الهندية. وقد جاب البيروني بلاد الهند، باحثًا منقبًا، مما أتاح له أن يترك مؤلفات قيمة لها شأنها في حقول العلم.
الرياضيات والفيزياء
يعترف (سميث) في الجزء الأول من كتابه ” تاريخ الرياضيات” أن البيروني كان ألمع علماء زمانه في الرياضيات، وأن الغربيين مدينون لكتبه في معلوماتهم عن الهند وعلومها الرياضية، وهو من الذين بحثوا في تقسيم الزاوية إلى ثلاثة أقسام متساوية، وكان ملمًا بحساب المثلثات، وكتبه فيها تدل على أنه عرف قانون تناسب الجيوب، وقد عمل جداول رياضية للجيب والظل.
كتب البيروني العديد من المؤلفات في مسائل علمية وتاريخية وفلكية، ولهُ مساهمات في حساب المثلثات والدائرة وخطوط الطول والعرض، ودوران الأرض والفرق بين سرعة الضوء وسرعة الصوت.
ساهم البيروني في تقسيم الزاوية ثلاثة أقسام متساوية، وكان متعمقًا في معرفة قانون تناسب الجيوب. وقد اشتغل بالجداول الرياضية للجيب والظل بالاستناد إلى الجداول التي كان قد وضعها أبو الوفاء البوزجاني.
طور البيروني تقنيات جبرية جديدة لحل المعادلات من الدرجة الثالثة، وقد لاقت تمييزًا دقيقًا بين حركة الأوج الشمسية وحركة الاستباقية، واستكشف العديد من التقنيات الرياضية التطبيقية الأخرى؛ لتحقيق دقة أعلى وسهولة استخدام النتائج الفلكية المجدولة.
وتوصل إلى طريقة لحساب تكرار تضعيف العدد دون الالتجاء إلى عمليات الضرب والجمع الطويلة الشاقة، كما تحدث في القصة الهندية عن مربعات لوحة الشطرنج وحبات الرمل. ووضع في الهندسة حلولاً لنظريات سميت فيما بعد باسمه.
الفيزياء
بالرغم من أن البيروني لا يركز على الفيزياء لوحدها في أي من كتبه، تبقى دراسة الفيزياء حاضرة ضمن العديد من مؤلفاته، إضافة إلى ذلك قام البيروني بطرح عدد من الفرضيات حول الحرارة والضوء.
ساهم البيروني في تقديم المنهج العلمي التجريبي إلى علم الميكانيك، ووحد بذلك علمين هما: علم الفيزياء الساكنة وعلم الحركة، وجمع أبحاث علم الفيزياء المائية الساكنة مع علم الحركة واضعاً أساس العلوم الهيدروديناميكية.
أوجد البيروني أيضاً عدداً من الوسائل لاكتشاف وحساب الكثافة، والوزن بالإضافة إلى الجاذبية، حتى إنه وصل إلى وصف الأدوات المناسبة للاستخدام مع كل منها، وعين الكثافة النوعية لثمانية عشر نوعاً من أنواع الحجارة الكريمة، ووضع القاعدة التي تنص على أن الكثافة النوعية للجسم تتناسب مع حجم الماء الذي يزيغه.
فضلاً عن ذلك قام البيروني بدراسات نظرية وتطبيقية على ضغط السوائل، وعلى توازن هذه السوائل. كما شرح كيفية صعود مياه الفوارات والينابيع من تحت إلى فوق، وكيفية ارتفاع السوائل في الأوعية المتصلة إلى مستوى واحد، على الرغم من اختلاف أشكال هذه الأوعية وأحجامها.
الفلك من علم المثلثات
خصص البيروني 95 كتابًا من أصل 146 كتابًا معروفًا لهُ؛ من أجل دراسة علوم الفلك والرياضيات والمواضيع المتعلقة بها مثل الجغرافيا الرياضية.
على الرغم من أن البيروني لم يكتب نصوصًا حول الجبر أو الهندسة، لكنه أدخل مفاهيم رياضية جديدة.
على سبيل المثال في سياق مناقشة مكرسة للوظائف المثلثية المستخدمة في علم الفلك، قام بتعريف الرقم غير المنطقي pi كنتيجة لتقسيم رقمين آخرين (محيط الدائرة والقطر).
تتركز مساهمات البيروني الرئيسة في كتاب مقال علم الحياة (خلاصة علم الفلك) حيث ركز بشكل رئيس على تطبيقات علم المثلثات الكروي في علم الفلك، وقدم تصنيفًا تفصيليًا للمثلثات الكروية وحلولها.
كما قدم (أطروحة شاملة عن الظلال) وطور فيها التعريفات المثلثية المألوفة أكثر، وطبقها على أوجه الشعائر الدينية؛ مثل تحديد أوقات الصلاة وإيجاد اتجاه القبلة.
وفي الكتاب الثالث للقانوني، طرح فيه نظريات مثلثية مساوية لتلك المتعلقة بمبالغ وخلافات الزوايا؛ حيث طوّر حله للمعادلة الجبرية من الدرجة الثالثة.
علاوة على ذلك، لم يكتف البيروني بتحديد جميع الدوال المثلثية المستخدمة اليوم، بل ناقش أيضًا طرق حسابها من دائرة ذات نصف قطر بقيمة تساوي 1 التي لا تزال تستخدم لهذا الغرض حتى اليوم.