متابعات

طريق الحج المصري.. آثار تاريخية لرحلات ضيوف الرحمن

البلاد – جدة

استخدم طريق الحج المصري على مدار أزمنة مختلفة من قبل الحجاج المصريين، إضافة إلى من كان يقيم فيما يُعرف الآن بليبيا وتونس والمغرب العربي، كما كان الدرب يُستخدم من قبل الحجاج القادمين من الأندلس، بينما يعتبر أحد أهم الطرق الأثرية التي تتميز بها الجزيرة العربية، التي تتنوع بين الطرق التجارية وطرق الحج، أو الطرق المرتبطة بأحداث تاريخية مثل “طريق الفيل”، في وقت يمتد الطريق من مدينة حقل حتى المدينة المنورة، ويمر بعدد من المدن والقرى والمواقع التي ترك فيها الحجاج آثاراً متعددة منذ بدايات العصر الإسلامي، حتى بداية قيام الدولة السعودية.

وقديماً كانت تعبر قوافل الحجاج المصريين، ومن رافقهم من أهل المغرب والأندلس وأفريقيا، شبه جزيرة سيناء، حتى تصل إلى بلدة أيلة الواقعة على خليج العقبة، ثم تواصل السير جنوباً إلى أن تبلغ واحة مدين (البدع)، وكان لحجاج مصر بعد رحلتهم من مدين طريقان؛ أحدهما داخلي يتجه إلى المدينة، ويمر بوادي القرى، وهو الأكثر استخدامًا خلال القرنين الأول والثاني الهجريين، أما الطريق الآخر فيسلك ساحل البحر الأحمر، ويمر بعدد من المحطات؛ أهمها عينونة، والمويلح، وضبا، والعويند، والوجه، والحوراء، ونبط، وينبع، والجار، ثم يتجه إلى مكة المكرمة. ويحوي الطريق عدداً من القلاع والبرك والاستراحات الأثرية التي أنشأها الحكام والولاة لخدمة الحجاج المصريين على مدى تاريخه.


ولأهمية طريق الحج المصري، وما يميزه من معالم أثرية متنوعة ممتدة عبر مسافة طويلة، وافق المقام السامي بتاريخ 29/12/1435هـ على طلب الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني لتسجيله ضمن 10 مواقع في قائمة التراث العالمي، بينما تنفذ الهيئة جملة من مشاريع الترميم لقلاع وبرك ومواقع أثرية في مواقع مختلفة على طريق الحج المصري، تبدأ من محافظة حقل وتنتهي بمكة المكرمة والمدينة المنورة، وتبلغ تكاليف هذه المشاريع أكثر من 50 مليون ريال، حيث تم ترميم قلعة المويلح الأثرية التي أنشئت في عام 968هـ لحماية قوافل الحجاج عند نزولها إلى المويلح، وحفظ أقوات الحجاج وأمتعتهم في القافلة وإدارة المنطقة، وقلعة الأزنم، التي كانت محطة رئيسة على الطريق لحفظ الأمن وودائع الحجاج القادمين على طريق الحج المصري.

وتنفذ هيئة السياحة مشروع ترميم للقلعة بنحو خمسة ملايين ريال، كما تعمل الهيئة على تأهيل وترميم موقع الآبار السلطانية بوادي ضباء وموقع الآبار السلطانية بوادي عنتر؛ حيث تم ترميم الآبار والبرك القائمة عليها وتأهيلها للزيارة. ويحوي طريق الحج المصري في محطاته مواقع أثرية متعددة؛ تنوعت بين القلاع والبرك والنقوش الأثرية التي تم الكشف عن العديد منها، ضمن أعمال الكشوفات والتنقيبات الأثرية التي قامت بها هيئة السياحة. ومن أبرز آثار الطريق عينونة بمنطقة تبوك، التي تضم مواقع أثرية كثيرة، بعضها يعود تاريخه إلى عصور ما قبل الإسلام، وبعضها الآخر إلى العصور الإسلامية، وتقتصر آثار العصور الإسلامية المتأخرة بها على موقعين، هما: مناخ قافلة الحجاج في رحلة الذهاب، ويقع على أرض واسعة مرتفعة عن بطن الوادي، وأطلال قرية صغيرة قريبة من مجرى العين تعرف في المصادر بحدرة عيون القصب.

فيما كشف فريق علمي سعودي بولندي مشترك مؤخراً عن آثار مستوطنة أثرية تعود إلى القرن الرابع قبل الميلاد في موقع عينونة الأثري بمنطقة تبوك، حيث اكتشف الفريق بقايا جدران ممتدة تحت الطبقة الأرضية الحالية، مما يشير إلى وجود مراحل سكنية سابقة في الموقع، كما كشفت البعثة عدداً من المعثورات الفخارية المتنوعة، والمطاحن والمدقات التي استخدمت في طحن الحبوب، أو ربما المعادن، وعدداً من الأصداف البحرية المتنوعة، فضلاً عن العثور على بقايا مجموعة من الأفران داخل الغرف، وبقايا صهر لخامات معدنية مختلفة. ومن تلك الآثار، آثار تريم التي تقع على بعد 30 كم جنوب عينونة، وبها مواقع أثرية قديمة.
ويوجد على الطريق آثار وادي الغال الذي يقع بين ضباء والمويلح، وبها بئران قديمتان مطويتان بالحجر الجيري المنظم، وآثار وادي الهاشة شمال مدينة ضباء، وتشمل آباراً قديمة، وآثار وادي ضباء التي توجد في أعلى وادي ضباء على شكل نقوش كوفية، يرجع تاريخها إلى القرنين الهجريين الثاني والثالث، فيما يعد وادي الأزنم (الأزلم) من أهم المحطات على طريق الحج المصري، ويقع على بعد 40 كم جنوب مدينة ضباء. وتضم قائمة الآثار أيضاً آثار وادي الزريب شرق مدينة الوجه، وبه كانت تنزل قوافل الحجاج المصريين ومن رافقهم، وتوجد اليوم بهذا الوادي ست عشرة بئراً كانت تؤمن الماء اللازم لإرواء قوافل الحجاج.


وتعتبر آثار بدر من المحطات المشهورة على الطريق المصرية، واشتهرت بالآثار الإسلامية المتعلقة بغزوة بدر كمسجد العريش (مسجد الغمامة)، الذي وقف فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، يدعو ربه بالنصر يوم بدر، ومقبرة شهداء بدر، والعدوتين، وتوجد ببدر في الوقت الحاضر نقوش تذكارية وتأسيسية تشير إلى ما أنشأه بها الحكام المسلمون من المباني لخدمة الحجاج، كما توجد بالموقع بقايا قنوات لعين بدر القديمة، وبقايا البركة التي أمر ببنائها السلطان المملوكي قانصوه الغوري.

وعلى الطريق بين بدر ومكة المكرمة، توجد آثار لطريق الحج المصرية، ويرجع تاريخ أكثرها إلى العصرين المملوكي والعثماني، وأهم هذه الآثار: السبيل الأولى التي تقع على بعد كيلومترين جنوب مفرق الرايس، وسبيل محسن على بعد 5 كيلومترات من مفرق الرايس، وبئر الشريف أبو نمي بمستورة، وبقايا قلعة في رابغ، وآبار القضيم، وبرك خليص. وكانت خليص من المحطات المهمة على الطريق المصرية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *