البلاد – تبوك
سلكت قوافل حجاج بيت الله دروبًا وسبلًا عدة، ملبية وميممة وجهتها لبيت الله العتيق، وكباقي طرق الحج القديمة، سلك حجاج طريق الحج الشامي دربهم عبر مسار محدد؛ إذ يعتبر هو الدرب الذي سارت عليه قوافل الحجاج المسلمين من دمشق إلى مكة منذ دخول الإسلام إلى سورية في سنة 14هـ/635م حتى بداية الحرب العالمية الأولى 1333هـ/1914م، ويُقدَّر طول هذا الطريق بـ 1307كم من دمشق إلى المدينة المنورة، والواقع أن هذا الدرب يسلك الطريق الطبيعي بين الحجاز والشام، وقد عُرف باسم «التبوكية» نسبة إلى بلدة تبوك التي تعد من أهم محطاته.
وتشكل قلعة “ذات الحاج”، الواقعة بين مركز حالة عمار ومدينة تبوك، مستراحًا للحجاج على هذا الطريق، ونقطة التقاء القوافل، ومنها إلى المدينة ومكة ذهابًا وإيابًا، وشهد الناس فيها منافع لهم في تجارتهم ونقل ثقافاتهم.
وتجسد قلعة “ذات الحاج” إرثًا حضاريًا وعمرانيًا، وأحد أبرز قلاع طريق الحج الشامي القديم، حيث يعود تاريخ بنائها إلى سنة 971 هـ، وقد زارها الكثير من الرحالة والمؤرخين والمستشرقين، الذين أكدوا أنّ تسمية “ذات حاج” نسبة إلى نوع من النباتات التي كانت تنمو فيها، وكانت حينها قريةً عامرة في العصور السابقة، حيث تمر بها قوافل الحجاج للاستراحة والتزود بالمياه، وزادت أهميتها بوصول سكة حديد الحجاز لها في أوائل القرن الميلادي العشرين.
وتتألف القلعة من مبنى مستطيل الشكل، ويوجد في جدارها الغربي مدخل ينتهي إلى فنائها الداخلي، الذي يضم خمس غرف، وفي الخارج منها توجد بركة ماء متصلة ببرك خاصة بسقيا العابرين، وساكني القلعة، حيث كانت وتيرة الحركة خلال القرون الماضية فيها عامرة، ولم يقتصر استخدامها لغرض الحج؛ بل يسلكها الركبان على مدار العام لبلوغ جهة ما، وتعبرها في قضاء حوائجها وشؤونها.
ومن المؤكد، أنه كان للموقع الجغرافي المهم لبلاد الشام دور كبير في منحها أهمية كبيرة بالنسبة إلى الحجاج منذ صدر الإسلام؛ إذ لم تلبث دمشق أن صارت مركز تجمع للحجاج المسلمين القادمين من الأراضي الإسلامية في شمال بلاد الشام وسائر بلدان الأقاليم الإسلامية الشرقية، نظرًا لأن الطريق البري بين دمشق والحجاز هو الأقصر لقوافل الحجاج المتوجهين لأداء فريضة الجح، إضافة إلى أن هذا الطريق كان معروفًا ومطروقًا، لكونه يُستخدم طريقًا للقوافل والرحلات التجارية منذ القديم وقبل الإسلام، وقد اعتادت قريش القيام برحلة في صيف كل عام للتجارة مع بلاد الشام.