التشريعات الحديثة لا تفرّق بين العقد والإتفاق ،حيث يشيران لنفس المعنى ، ولذلك كان كل عقد وكل اتفاق ، بحاجة إلى تكييف من الناحية القانونية ، نظراً لما يترتّب على العقود من التزام بين الطرفين، وليس منا من لم يُضطر في فترة من حياته ،لتوقيع عقد : فمن هو
بحاجة لقرض مالي، ومن هو بحاجة لشراء منزل ومن هو بحاجة لشراء سيارة عن طريق أحد البنوك ، ولكن المشكلة تكمن في أن هناك من لا يقرأ، ومن لا يفهم، و من لا يعرف كيف يناقش بنود العقد، بل -للأسف- هناك من لا يريد إثارة الأسئلة حتى لا يبدو وكأنه لا يثق بكلام الموظف ،فيجد نفسه أنه ليس بحاجة لقراءة جميع صفحات العقد ،فيقوم بالتوقيع عليه ،واضعاً كل ثقته بالموظف .
إن من المحزن حقاً ،أن هناك فئة ليس لديها حظ وافر من الثقافة القانونية، بل أن ثقافتها القانونية ضحلة جداً ،وغالباً ما يقع أفرادها ضحايا لأمور لم تكن في الحسبان ، ذلك أن الموظف غالباً مايرسم صورةً ورديةً للأمر ، فيشرح جوانب العقد الإيجابية دون الإشارة لجوانبه السلبية ،فيدفع العميل بطريقة غير مباشرة للتوقيع عليه وبسرعة ، إذ أن هدفه هنا هو الحصول على العمولة دونما اكتراث لما سوف يحدث مستقبلاً.
إن من الخطأ عند توقيع العقد ، ألا يكلف المرء نفسه ة
بقراءة جميع صفحات العقد حتى الصفحة الأخيرة ، فيقوم بالتوقيع عليه لإنهاء الأمر، ويعلم هؤلاء وغالباً
بعد فوات الأوان، أنهم لو قرأوا العقود قبل التوقيع، لتجنّبوا الوقوع في العديد من المشاكل مستقبلاً : فهناك من يتفاجأ عند صيانة إحدى المعدّات أو الأجهزة، أن الخدمة لا تشمل أجزاء مهمة جداً، أو أن هناك تكاليف إضافية غالية تدفع قبل الصيانة -وهذا منصوص في العقد غير المقروء -، وكذلك يتفاجأ البعض في التعاملات البنكية عند توقيع عقد لشراء منزل أو سيارة أو قرض، بأمور لم تكن في الحسبان ، فيبدأ الشخص في التذمّر وتوزيع الإتهامات هنا وهناك، إلى أن يكتشف أن ذلك الإجراء منصوص عليه في العقد الذي كان قد وقّع عليه ، علماً بأن مثل هذه الأمور ، لا تظهر في حينها ،وإنما بعد ثلاث أو أربع سنوات تقريباً.
كما قيل فإن (القانون لا يحمي المغفلين)، يحدث ذلك في كثير من المواقف التي يكون فيها الطرف الضحية غير ملمّ بالأمور القانونية ،أو قام بالتوقيع بحسن نيّة، وهو أمر يحدث كثيراً في تعاملاتنا بسبب الثقة.
ووفقاً لهذه المقولة الشهيرة ، على كل فرد أن يحتاط ويحذر في معاملاته وتصرفاته من أقوال وأفعال وإلا أصبح مغفلاً ،وزالت عنه الحماية التي يقررها القانون فيصبح عُرضة إما للمساءلة القانونية أو لضياع أمواله واستغلالها ولا عذر لمن يجهل القانون.
إذاً لابدّ من قراءة كل سطر في أي عقد قبل التوقيع عليه ، وإثارة أي سؤال أو إستفسار عن البنود حتّى وإن كان هذا الإجراء مملّاً أو يأخذ وقتاً طويلاً ، وذلك حتى تتضح الصورة بشكل كامل، . وإذا استعصى أحد البنود ،أو لم تُحظَ إجابة الموظف المختص بالثقة المطلوبة ، فمن الممكن اللجوء لمحامي عقود متخصّص لشرح الأمر ، وبعد توقيع العقد ،يصبح المرء مُلزماً قانونياً بكل ماجاء فيه ، وحتى الإتفاقات التي تتم شفاهةً، لابدّ وأن تترجم لعقود مكتوبة ، ذلك أن زمن الأجداد الطيبين ، والذي كانت المصافحة فيه والكلمة ، بمثابة العقد والإتفاق ،قد انتهى الى غير
رجعة ،فأصبح لابدّ من توّثيق الإتفاقات الشفهية كتابياً حتّى لو عن طريق الإيميل ،وحتّى إذا جاء الردّ عن طريق الإيميل، يصبح العقد مُلزماً .والله أعلم.