متابعات

سكة حديد الحجاز.. شاهد تاريخي على التجارة والحج

البلاد – المدينة المنورة

مبانٍ وقلاع وعربات قطار قديمة متناثرة- يمنة ويسرة- على امتداد سكة حديد الحجاز تنتهي عند محطة ضاحية العنبرية بالمدينة المنورة، أو ما يطلق عليه محليًا مسمى (الإستيسيون). تحكي قصة تاريخ هذا الخط الحديدي الحيوي، الذي تأسس ليسهل على الحجاج مشاق السفر إلى الأماكن المقدسة، فضلًا عن أهدافه الأخرى المتنوعة، فقد كانت المدينة المنورة قديمًا محطة مرور للقوافل التجارية ما بين الشمال والجنوب، مرورًا بالعلا والحجر(مدائن صالح)، فضلًا عن أنها طريق للحجاج الذين يرغبون في أداء فريضة الحج، بحيث اعتبرت طيبة الطيبة على مر التاريخ، أحد أهم المراكز، التي تلتقي فيها طرق التجارة والحج قديمًا.

وانطلقت الأشغال في خط سكة الحجاز عام 1900م؛ حيث كانت نقلة نوعية خففت على الحجاج، واختصرت الوقت انطلاقًا من مركزها في دمشق، وهي سكة حديد ضيقة بعرض 1050 مليمترًا، وافتتحت عام 1908م، واستمر تشغيلها حتى 1916م أثناء الحرب العالمية الأولى، ثم ما لبثت أن تعطلت عقب تلك الحرب. وبدأ العمل في بناء خط سكة حديد الحجاز من منطقة المزيريب في حوران في سورية، وسار محاذيًا لطريق الحج البري من دمشق عبر مدينة درعا وصولًا إلى المدينة المنورة، حيث استطاع الحجاج من الشام وآسيا والأناضول قطع المسافة من دمشق إلى المدينة المنورة في خمسة أيام فقط بدلًا من أربعين يومًا، وكان والي دمشق هو أمير الحج باستثناء فترة بسيطة تولى فيها حاكم نابلس هذه المهمة. وينطلق هذا الخط الذي يبلغ طوله 1320 كيلومترًا من دمشق، ثم يتفرع من بصرى جنوب سورية إلى خطين؛ أحدهما يكمل المسير إلى الجنوب نحو الأردن، أما الآخر فكان يتجه غربًا باتجاه فلسطين.


وتعدّ نابلس وحيفا وعكا أهم محطات الوقوف في فلسطين، ويتفرع من حيفا خط يربط الأخيرة بمصر، وهو فرع فلسطين. وكان مسار خط الحج ينطلق من مدينة دمشق، ويعبر سهل حوران ويمر بالمزيريب وعدد من المناطق جنوب سورية وصولاً إلى مدينة درعا، ثم إلى الأردن حيث يمر بمدن المفرق والزرقاء وعمّان ومعان على التوالي، ويكمل سيره جنوبًا إلى أن يدخل أراضي الحجاز؛ حيث ينتهي بالمدينة المنورة.

ويتبع للخط 132 قاطرة و1700 شاحنة، وتوجد على طريقه حتى اليوم آثار قديمة من كتابات ونقوش ورسوم صخرية، بالإضافة إلى المنشآت القديمة من مبان ومدن؛ أطلالها لا تزال مشاهدة. ويمر خط سكة حدي الحجاز بالعديد من محطات التوقف التي ظلت إلى يومنا هذا متماسكة وشامخة، ومنها محطة الدار الحمراء التي تقع بمحاذاة البريكة شمال العلا، ويحتوي الموقع على مبنى استراحة السكة الحديد، الذي بني بالحجر، ومحطة المطلع التي تقع جنوب شرق محطة دار الحمراء بحوالي 24 كيلومترًا، ويشتمل الموقع على مبنى استراحة السكة الحديد، وهو مشيد بالحجر المشذب، بالإضافة إلى ثلاثة مبانٍ جنوب الاستراحة، وبعض المباني المشيدة بالأحجار فوق جبل، وعلى مسافة نحو 10 كيلومترات شمال شرق المحطة.

كما يمر خط سكة حديد الحجاز بمحطة أبو طاقة، التي تقع جنوب محطة المطلع بنحو 19 كيلومترًا على فرع وادي الحمضة، ويحتوي الموقع على مبنى استراحة السكة الحديد، وهو مشيد بالحجر المشذب، كما يوجد حولها بعض المباني. ومن بين المحطات التي يمر بها القطار محطة مبرك الناقة التي تقع جنوب محطة أبو طاقة بنحو 16 كيلومترًا، ويحتوي الموقع على مبنى استراحة السكة الحديد من الحجر المشذب، كما توجد بعض الجدران جنوب المبنى .

وهناك محطة مدائن صالح، التي تقع شمال شرق العلا بنحو 25 كيلومترًا، وهي من محطات درب الحجاج الشامي الكبيرة، وإحدى محطات السكة الحديد الرئيسة. ويحتوي الموقع على قلعة إسلامية قديمة في وسطها بئر الناقة، كما توجد بركة قديمة وخمسة آبار مطوية بالأحجار، وكذلك ستة عشر مبنى من مباني السكة الحديد قد بنيت بالحجر المشذب، فضلاً عن محطة العذيب التي تقع فوق جبل على مسافة 2 كيلومتر شمال العذيب، يعرف بموقع (قويع الترك)، جنوب محطة مدائن صالح بنحو 9 كيلومترات بوادي العذيب، وبنيت من الحجر المشذب إلى جانب محطة وادي القرى بمدينة العلا، وهي إحدى المحطات الكبيرة على درب الحج الشامي، وإحدى محطات السكة الحديد، ويحتوي الموقع على مدينة كبيرة قديمة محاطة بجدار شمال المدينة عبر الوادي، ويوجد بها عدة قنوات تمتد إلى عكمة، حيث عيون الماء، كما توجد قلعة، وبها قبر موسى بن نصير فوق جبل مرتفع يتوسط البلدة القديمة (حي الديرة بالعلا).


وتقع محطة البدائع جنوب شرق العلا بنحو 16 كيلومترًا بعد محطة العلا، وتشتمل على أطلال مدينة إسلامية، وبها بعض البقايا المعمارية، وتنتشر بها بعض قطع الفخار الإسلامي المبكر ترجع إلى القرن الثالث والرابع الهجري، بالإضافة إلى بعض القطع الإسلامية الفخارية والزجاجية المتأخرة. كما يوجد بالجنوب الشرقي منها محطتا مشهد وسهل مطران، فيما يلي محطة البدائع مباشرة محطة زمـرد التي تقع جنوب شرق سهل المطران بنحو 20 كيلومترًا، في حين يوجد شمال شرق المحطة بنحو 4 كيلومترات قلعة مربعة يتوسطها فناء مكشوف بعد بئر مستطيل، تعرف بقلعة زمرد، ويوجد بئر شمال القلعة ، كما توجد بركة تقع جنوب شرق القلعة بنحو 3.5 كيلومتر وهـي مستطيلة الشكل.

كما تقع محطة هديــة إلى الجنوب الشرقي من محطة المدرج بنحو 20كم، بينما يوجد شرق المحطة بنحو 3كم قلعة أثرية دائرية الشكل وأخرى مهدمة ومربعة الشكل، فيما تقع ست محطات صغيرة أخرى في اتجاه الجنوب الشرقي حتى المحطة النهائية بالمدينة المنورة، وهي عبارة عن محطات قطار قديمة مشيدة من حجارة سوداء ضخمة.
وتعدّ محطة المدينة المنورة، المحطة النهائية لخط سكة حديد الحجاز، وإحدى المحطات الرئيسة، وتشتمل على مجموعة مبانٍ، أعيد ترميمها بما يتفق مع شكلها المعماري القديم وبنيت من الحجر الأسود بطول حوالي 600 متر وعرض حوالي 400 متر، كما يوجد بالمدينة المنورة باتجاه تبوك ست محطات أخرى صغيرة وهي (مخيط، حفيرة، بواط، بوير، اسطبل عنتر، أبو النعم) وتقع تقريبًا على مسافات متساوية كل 20 كيلومترًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *