ألقى الدكتور عبد الوهاب المسيري السلام وهو يدخل قاعة المحاضرات متوجهاً إلى مكانه المعتاد أمام الطلاب. رفع بصره إلى الطلاب متفحصاً وجوههم وهو يحاول استهلال حديثه بعباراته المعتادة قبل أن يبدأ محاضراته. كانت نظراته لهم كمن يبحث عن موضوع يكون مدخلاً لموضوع محاضرته هذا اليوم. لفت انتباهه شيئاً غريباً ومريباً. فجأة، تغيّر وجهه من حالة التفاؤل التي كانت تسيطر عليه دائماً إلى غضب نادر قلّ أن تشاهده على محياه. لعلّ أفضل خصال المسيري التي جذبت الطلاب نحوه هي تلك الابتسامة الدائمة التي لا تفارق محياه، والتواضع الجمّ الذي كان يحيط به في كل مكان يمكن أن تلتقي به داخل القاعة أو في الممرات أو خارج الجامعة. من النادر رؤيته غاضباً أو متشائماً. لماذا هو غاضب هذا الصباح على غير المعتاد؟
كان قسم اللغة الإنجليزية في كلية الآداب بجامعة الملك سعود في الثمانينات الميلادية يعج بطلاب من جميع الدول العربية، حيث كان يضم طلابا من البحرين وفلسطين والأردن وسوريا وعمان ومصر والمغرب وسيراليون. هذا الأمر انعكس على الطريقة التي يلبس فيها الطلاب. بالإضافة إلى الثوب السعودي، كان يمكن أن تجد من الطلاب العرب من يلبس الجينز والقميص داخل القاعة. لاحظ المسيري أن أحد الطلاب كان يرتدي قميصاً T-Shirt عليه كلمات باللغة الإنجليزية لم ينتبه لها الطلاب ولم يلقوا لها بالاً خاصة وأن مثل هذه العبارات تحمل شعارات أو أسماء أماكن أو شركات يصعب فك شفراتها في وقتٍ لم يصل فيه العالم آنذاك إلى مستوى القرية الصغيرة التي نعيشها هذه الأيام حيث يمكنك أن تعرف كل شيء في العالم بضغطة زر. لكن ماذا عن أستاذ اللغة الإنجليزية المتخصص الذي صال وجال في الثقافة الغربية وعاش في العالم الغربي ودرس فيه واطلع على كل شاردة وواردة في الثقافة الغربية؟ بل يمكن القول إن هذه العبارة التي كانت مكتوبة على القميص تقع على رأس المواضيع التي ينتقدها هذا الأستاذ في الثقافة الغربية وكان منشغلاً وقتها في الكتابة فيها وحولها.
لم يستطع المسيري البقاء في مقعده وهو يقرأ هذا العبارة فقد تملّكه الغضب الشديد بعد أن فهم محتواها المشين. يقول راشد البوعينين، أحد الطلاب الذين كانوا في نفس القاعة، أن المسيري سأل عن مدى معرفة الطالب لمعنى العبارة التي كانت على قميصه ثم أمره بمغادرة القاعة على الفور. “لم أر المسيري في مثل هذا الغضب أبداً،” يقول البوعينين.
كانت تلك من المواقف النادرة جداً التي نرى فيها ذلك الأستاذ القدير وهو في حالة غضب لم نعهده فيها أبداً ولم يقبل أي مناقشة حولها أو عذر. لكم أن تتخيّلوا المحاضرة وكيف ستكون عندما تعرف أن العبارة التي كانت على القميص لم تكن إلا Red Light District .