منذ وقت ليس ببعيد ، كنت أقف في طابور خلف رجل مُسن أمام ماكينة الصراف الآلي لسحب بعض النقود. ولمّا كان الرجل المُسن يواجه صعوبة في التعامل مع بطاقة الصراف الآلي، فقد طلب مني مساعدته في سحب نقوده ،فحذّرته أثناء ذلك من إفشاء معلوماته المصرفية للغرباء في الأماكن العامة ولكنه أصرّ، فاضطررت لمساعدته في النهاية عندما سلمني ورقة مكتوبٌ فيها رقمه السري، نصحته بأن يقوم في المرات القادمة بطلب المساعدة من أحد أبنائه أو صديق موثوق به ،ثم ساعدته في سحب أمواله فشكرني وغادر.
هذا الموقف يعكس مواقف مماثلة لبعض كبار السن الذين يتعرضون لمحاولات نصب أو سرقة بياناتهم المصرفية أثناء تعاملاتهم الإلكترونية سواء على الهاتف أو الكمبيوتر .
كما يوضح هذا الموقف بجلاء ، أن طلب المساعدة من غرباء أمام الصرّاف الآلي، أصبح جزءاً لا يتجزأ من سلسلة طويلة من محاولات النصب التي يتعرض لها كبار السن الحلقة الأضعف في المجتمع ، فيما تتجدّد الإستراتيجيات الإحتيالية التي يتعرضون لها بين فترة وأخرى، ويتزايد عدد التكتيكات ويخترع المحتالون أساليب جديدة ومبتكرة ، بحيث يمكن لأي منتحل لصفة ممثل البنك عبر الهاتف، أن يخدع بسهولة شخصاً مسناً لإفشاء معلوماته الشخصية بغرض السرقة.
أصبحت المشكلة كبيرة وخطيرة وتزداد عاماً بعد عام وتكلِّف الدولة الكثير ناهيك عن الوقت الذي تستغرقه التحقيقات في هذه العمليات الإحتيالية.
وللوقوف على حجم المشكلة التي يواجهها كبار السن مع الإحتيال المالي،أشار الكاتب الاقتصادي والخبير المصرفي، طلعت حافظ في مقال نشر العام الماضي بإحدى الصحف المحلية ، إلى أن المملكة سجلت نحو 13.308 بلاغاً عن الإحتيال المالي خلال السنوات الأربع الماضية وفقاً للإحصائيات الرسمية، وتُقدّر خسائره بنحو 5 ٪ من الناتج العالمي، أو ما يتجاوز 5 تريليونات دولار أمريكي ،مضيفاً أن عمليات الإحتيال المالي تستهدف كبار السن أكثر من غيرهم، وخاصةً عند إستخدامهم أجهزة الصرف الآلي وطلب المساعدة.
ووفقًا لمنشور المجلس الوطني للشيخوخة، يزداد عدد الضحايا كل عام ،حيث أشارت الإحصائيات إلى أن 92371 من كبار السن كانوا ضحايا للإحتيال المالي في عام 2021م ، بإجمالي خسائر قدرها 1.7 مليار دولار، في الوقت الذي سرّعت فيه جائحة كورونا من التعاملات الإلكترونية وذلك عندما وجد كبار السن أنفسهم مجبرين على التعامل معها ، ما شجّع المحتالين لابتكار طرق جديدة للإحتيال على العملاء وخاصةً كبار السن والدخول إلى حساباتهم المصرفية.
ورغم أنه من واجب أفراد الأسرة حماية كبارهم ومساعدتهم، إلّا أنني أرى هنا أن على البنوك مسؤوليات كبيرة أيضا لحماية هذه الفئة من المجتمع ولا أعلم إن كانت هناك مبادرة سابقاً من قبل البنوك ولكن بالإمكان عقد ورش تثقيفية إلزامية لكبار السن ومساعدتهم عى تعلُُّم الخدمات المصرفية الرقمية وتجنّب وسائل الإحتيال في حال فتح الحساب.
كما يجب أن تتم مراقبة حسابات كبار السن بشكل دقيق ورصد العمليات المشبوهة فعلى سبيل المثال إذا تمت عملية السحب بمبلغ كبير خلال فترة زمنية قصيرة،
يتم تجّميد الحساب فوراً كإجراء احترازي و تفّويت الفرصة على المحتالين لسحب مبالغ أكبر. وأتمنى أن تكون الإجراءات الإحترازية في التعاملات الالكترونية أكثر صرامة على من تجاوزوا سن الستين ، كأن يتم التأكد من العمليات عن طريق الإتصال الهاتفي.