بداية أرى أن الحب هو تجربة إنسانية شخصية متفردة تختلف بإختلاف الأشخاص والأزمان والأماكن ولكن في النهاية تلتقي جميعها عند مفهوم واحد وهو الإنصهار والتجمد .
فالحب هو علاقة إنسانية سامية تشتعل كالحمم البركانية وقودها شلال من الهورمونات تبدأ بالدخان وتنتهي بإنسكاب العواطف الجيّاشة حيث تنصهر فيها العواطف الإنسانية والصداقة وتأخذ شكلاً جديداً لا يبصر ولا ينصت ولا يضمر شراً ويغفر الزلّات ويجنح للضعف الإنساني لقبول الآخر كما هو دون رتوش.
فهل يا ترى ستبقي مستقبلاً معاني الحب وممارساته كما هي عليه اليوم أو كما عرفتها أجيالنا السابقة ؟
ثورة الإتصالات والإختراعات الحديثة وتطور التكنولوجيا ووسائط التواصل الإجتماعي وأخيراً الذكاء الإصطناعي لا شك أن جميعها ستلقي بثقلها وتؤثر بشكل جذري على قيمنا وأساليب حياتنا في الدراسة والأعمال وطرق التعامل والتواصل بل وانتقلنا الآن من مرحلة تقاسمنا للعيش الى مرحلة تقاسمنا للحياة مع التكنولوجيا وتطوراتها وأصبحنا نتعايش ثانية بثانية مع من نحب .
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو :ما مدى تأثر الأجيال الجديدة بالتكنولوجيا الرقمية في العلاقات الإنسانية العميقة ، والإشباع الروحي والمعنوي والنفسي ؟ وهل هذا الإشباع سيصل بهم الى مرحلة الإدمان والرضا وممارساته في مراحل التعارف والزواج والعلاقات الأسرية الخ ..؟
إنني أري أن هناك إرتباطاً وثيقاً بين القيّم والمفاهيم وممارسات الحب وبالضرورة سيكون هذا التأثير مباشراًعلى معاني ومفاهيم العواطف في العصر الرقمي بل وعلى القيّم نفسها حيث أن التكنولوجيا لها تأثير شديد على القيّم والمثل العليا ، وتدفع أحيانا لمناهضة ورفض مثل هذا التطور ومتغيراته وتأثيراته.
وعلى الجانب الآخر هناك واقع وحقيقة لا يمكن إنكارهما أو تجاهلهما وهي أن القيم والمثل والتقاليد الإجتماعية تتغير وتتطور مع الزمن بوتيرة بطيئة. وأحيانا أخري تتسارع بفعل المؤثرات الخارجية مثل التطور التقني الرقمي الماثل أمامنا، وبفهمنا وإدراكنا لهذه الحقائق يجعلنا أكثر تفهما وإستيعابا وقدرة على ما يمكن فعله للتعامل مع الأمور الخاضعة لقوانين وممارسات العواطف الرقمية، والتي يمكننا أن نتحكم فيها دون صراعات مع النفس والمجتمع.