متابعات

الخوارزمي .. همزة الوصل بين علوم الشرق والغرب

عبد الله صقر – مركز المعلومات

إذا انتقلنا إلى الرياضيات والفلك فسنلتقي، منذ البدء، بعلماء من الطراز الأول، ومن أشهر هؤلاء العلماء أبو عبدالله محمد بن موسى الخوارزمي.
يُرجع المؤرخ والكيميائى الإيطالي ألدومييلي نهضة أوروبا في علوم الرياضيات ،إلى مساهمات الخوارزمي، مضيفاً أن النهضة العلمية الغربية ،انطلقت ممّا أخذه عنه العلماء الغربيون، ولولاه لكانت تأخرت هذه النهضة وتأخرت المدنية زمناً طويلاً
من الثابت علمياً أن الرياضيات في كل العصور هي الأساس لكل الاختصاصات العلمية والأكاديمية والتكنولوجية، ولا يمكن الاستغناء عنها، وتعتبر الأبجدية التي تتأسس عليها علوم الكيمياء والفيزياء والهندسة والاتصالات والتكنولوجيا بكل أشكالها التي قادت تطور الحضارة الإنسانية.

من الشرق والغرب
يعد الخوارزمي حلقة الوصل بين علوم الشرق وعلوم
الغرب فلقد استفاد الخوارزمي من أمهات الكتب التي ضمتها خزانة المأمون، والتي تنوعت موضوعاتها وتعدد مؤلفوها، وفيها الكثير من المترجمات عن علوم الأمم الأخرى، فدرس الرياضيات، والجغرافيا، والفلك، والتاريخ، إضافة إلى إحاطته بالمعارف اليونانية والهندية، ونشر كل أعماله باللغة العربية، التي كانت لغة العلم في ذلك العصر، وتُرجمت فيما بعد إلى عدة لغات أوروبية، ودُرِّست في الجامعات الأوروبية لعدة قرون.
إستطاع الخوارزمي ان يوظف إلمامه بالترجمة ومعرفته بالعديد من اللغات في إنعاش الخوارزمي علميًا، وقاده إلى البدء بتأليف الأطروحات والكتب الخاصة به.
قام الخوارزمي بعرض تلك الكتب والمخطوطات على منهجه العلمي التجريبي وتصحيح الخطأ فيها واعمل فيها تعديلأ وإضافة بناء على منهجه العلمي.
عندما قام الخليفة المأمون بتأسيس بيت الحكمة الذي ضم نصوص عدد كبير من الكتب المترجمة من اللاتينية ، وتولى العلامة الخوارزمي رئاسة ذلك البيت. وبالإضافة إلى إتقانه اللغة التركية والفارسية، تعلم الخوارزمي اللغة اليونانية من أجل ترجمة الكتب اليونانية وخاصةً الكتب التي تُعنى بعلم الرياضيات، وبعد ترجمتها قام بترتيبها في مكتبة بيت الحكمة.
كما قام الخوارزمي بتعلم اللغة الهندية حيث بقي شهوراً يترجم كتاب الحساب الهندي بعد ان ترجمه بذات الإسم تخليداً للحضارة الهندية واعترافاً بما قدموه .
وفي احد الأيام قدم إلى الخليفة عالم هندي يحمل كتاباً يدعى السدهانتا أو السندهند وهو عبارة عن موسوعة فلكية هندية حيث ترجم الخوارزمي الكتاب الى العربية وأسماه زيج الهند وعرف لاحقا باسم زيج الخوارزمي والتي هي الجداول الفلكية والذي نقلت فيما بعد الى أوروبا وتمت ترجمته الى عدة لغات.
يعد الكتاب موسوعة شاملة في علم الفلك حيث يحوي معلومات مهمة عن الأجرام السماوية وتحركاتها ومواقعها في السماء.


الفلك من بوابة حساب المثلثات
أبدع الخوارزمي في علم الفلك وترك بصمة واضحة في هذا العلم من خلال حساب المثلثات حيث أتى
ببحوث جديدة في المثلثات، حيث ألف الجداول المثلثية التي تحتوي على معامل الجيب، والذي استخدمت لاحقًا للمساعدة في تكوين معامل الظل. و قدّم جداول دقيقة للنسب المثلثية الأخرى من جيب التمام،و ظل الزوايا.
ووضع جداول فلكية (والذي اسماه الزيج)، وقد كان لهذا الزيج الأثر الكبير على الجداول الأخرى التي وضعها العرب فيما بعد، إذ استعانوا به واعتمدوا عليه وأخذوا منه وتُنسب إليه أيضًا أطروحة ذات صلة عن حساب المثلثات الكروية. كما أتقن الخوارزمي التمثيل الهندسي للمقاطع المخروطية والذي أدى به إلى التوصل إلى مفهوم علم التفاضل.
يتألف كتاب الزيج السند هند من حوالي 37 فصل حول حسابات الفلكية وحسابات التقويم و116 جدول متعلق بالتقويم، والبيانات الفلكية والتنجيمية، وكذلك جدول لقيم جيب الزاوية.
كما حدد الخوارزمي جميع أطوارِ القمر، مما ساعد على معرفة الوقتِ بشكل كبير.

الساعات الشمسية

قام الخوارزمي بعدة تحسينات هامة لنظرية وبناء المزاولات( الساعات الشمسية) التي ورثها من الحضارة الهندية والإغريقية. وعمل جداول لهذه الآلات التي اختصرت الوقت اللازم لإجراء حسابات معينة. كانت مزولته عالمية، وكان يمكن ملاحظتها من أي مكان على الأرض.
تعرف المزولة على انها ساعة شمسية وأداة توقيت نهاري، تتكون من عدة نقاط وخطوط، رسمت على صفيحة عريضة، وفي وسطها عصا مستقيمة أفقية يتحدد الوقت من طول ظلها الناتج عن وقوع أشعة الشمس عليها، حيث تترك ظلا متحركا على النقاط والخطوط، وهي من أقدم آلات قياس الوقت
ومنذ ذلك الحين، وضعت المزولات في كثير من الأحيان في المساجد لتحديد وقت الصلاة. مربع الظل، هي أداة اخترعها أيضا الخوارزمي في القرن التاسع في بغداد واستخدمت لتحديد الارتفاع الخطي لجسم، بالاشتراك مع العضادة لملاحظات الزاوي.
اخترع الخوارزمي أيضا أول أداة ربعية وأداة قياس الارتفاع في بغداد في القرن التاسع الميلادي. اخترع الخوارزمي، أيضا أداة الربع المجيب التي كانت تستخدم للحسابات الفلكية. واخترع أيضا أول الربع الحراري لتحديد دائرة عرض، في بغداد، ثم مركز تطوير الربعيات.
وكان يستخدم لتحديد الوقت (وخاصة أوقات الصلاة) من خلال مراقبة الشمس أو النجوم. كانت أداة الربعية أداة عالمية، وهي أداة رياضية مبتكرة اخترعها الخوارزمي في القرن التاسع وعرفت فيما بعد باسم (الربعية القديمة) في أوروبا في القرن الثالث عشر.
ويمكن استخدامها في أي دائرة عرض على الأرض وفي أي وقت من السنة لتحديد الوقت في بالساعة من الارتفاع من الشمس. وكان هذا ثاني أكثر أداة الفلكية تستخدم على نطاق واسع خلال القرون الوسطى بعد الإسطرلاب. وأحد استخداماتها الرئيسية في العالم الإسلامي هو تحديد أوقات الصلاة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *