البلاد ــ أبها
فتح الصيف أبوابه، وبدأت العطلة الصيفية، وبدأت طرقات منطقة عسير تشهد كثافة في أعداد السياح من داخل وخارج المنطقة؛ لما تمتاز به من أجواء معتدلة خلال فصل الصيف، ومن المناطق التي يحرص الزوار على ارتيادها في المنطقة، قرية” رجال” التابعة لمحافظة رجال ألمع والمدرجة من منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، على قائمة أفضل القرى السياحية في العالم، بسبب عمقها الحضاري وريادتها في مجالات عدة؛ من أبرزها التجارة والفنون المعمارية الفريدة، المتمثلة في الحصون الشاهقة المشيدة بطريقة فنية بديعة، تجمع بين الجمال والإتقان، واستغلال المساحات بشكل لافت، حيث تتراص تلك حصون على مساحات صغيرة متقارية، لتصنع كتلة واحدة بارتفاعات متفاوتة، يصل ارتفاع بعضها إلى 6 طوابق، زخرفت من الخارج بحجر” المرو” الأبيض، كما زيّنت من الداخل بالنقوش الفنية التي يطلق عليها” القط العسيري” ما جعلها مقصدًا للزوار القادمين إلى منطقة عسير من داخل المملكة وخارجها.
ويعدّ المكان بعبقه التاريخي والمعماري من أبرز نقاط جذب الزوار من مختلف دول العالم، الذين يتشوقون لمعرفة تراث المنطقة وتاريخها العريق.
ويمكن للزائر الوصول إلى قرية “رجال” عبر عدة طرق؛ أهمها عقبة الصماء الرابطة بين مدينة أبها، ومحافظة رجال المع، مرورًا بمركز السودة الأشهر سياحيًا على مستوى المملكة، في مدة لا تتجاوز 30 دقيقة، إلى جانب طريقين آخرين تربطها بمحافظة محايل عسير، ومركز الحبيل المؤدي إلى محافظة الدرب التابعة لمنطقة جازان.
وعلى الرغم من تعدد الآراء العلمية حول تاريخ ” رُجال” فقد تناول الباحث محمد حسن غريب في كتابه المؤلف من 4 أجزاء، القرية ونشأتها وتطورها، الذي شهدته على مر التاريخ، حيث يشير إلى أن ” شواهد الفعل الحضاري من مبان وطرق وحاميات ومدرجات زراعية وآبار ومقابر مكتظة بساكنيها، وما كشفته السيول قديمًا في بعض أوديتها من مساكن مطمورة تحت الأرض، وكذلك وجود دلالات ظهرت في أحد الآبار المحفورة عام 1375هـ في حي “عسلة” على عمق 30 مترًا، في مؤشر على قدم الاستيطان والاستقرار البشري، الذي كان يسود القرية قبل القرن العاشر الهجري، وعبر مراحل نموها وازدهارها”.
ويؤكد غريب، أن البعد التجاري القديم للقرية كان الأشهر في المنطقة، ويقول عن تجارها قديمًا:” كانوا في تجارتهم يضربون في الأرض ضربًا بعيدًا، فيصلون إلى أقصى مكان يعرف من عالمهم آنذاك؛ حيث ظلت المراكب الشراعية التي يستأجرونها لنقل البضائع من عدن والحديدة والحبشة تمخر عباب البحر الأحمر مثقلة بصنوف السلع التي ابتاعوها من تلك الجهات، ما أكسبهم قوة اقتصادية لا يستهان بها” مضيفًا:” مما يلحظ أن بلدة” رجال” برجال ألمع بقيت حقبة من الزمن مقصدًا للقوافل القادمة من موانئ البحر الأحمر، وبالذات من مراكزه التجارية الداخلية والخارجية، كما ظلت محط رِحال للتجار القادمين من جدة والقنفذة والقحمة وجازان والحديدة وعدن وبعض دول الساحل الشرقي الأفريقي؛ كجيبوتي ومصوع والحبشة”.
ومن أبرز السلع التي كانت تباع في دكاكين أهل القرية آنذاك المنتجات الهندية، والمصرية واليمنية والأوروبية والأفريقية، وحتى من شرق آسيا من اليابان والصين، وقد يجمع بعض الأهالي بين ضروب التجارة؛ كالعطارة، والأغذية، والحبوب، والأدوات المنزلية، والتوابل، والعطور، والأقمشة، والحلي، والعقاقير الطبية، والكماليات، والسلاح، والجلود، والسمن، والعسل.
ومرت قرية “رجال” بمراحل تطويرية متعددة شملت المسرح المفتوح الذي يقع على مساحة 615 مترًا مربعًا، ويتّسع لحوالي 1000 شخص، إلى جانب المساحات المجاورة، وهى عبارة عن أماكن للتسوق، تعرض فيها المنتجات التي تشتهر بها البلدة على وجه الخصوص ومحافظة رجال ألمع بصفة عامة، كما تمت زيادة الرقعة الخضراء بحوالي 7 آلاف متر مربع، وأقيمت مظلات وجلسات عائلية على مداخل البلدة، ورصفت الممرات وأعمدة الإنارة على الطريق المتفرع من الطريق الرئيس المؤدي إلى البلدة.
وبدأ الاهتمام بتوثيق التراث المادي لمحافظة رجال ألمع من خلال إنشاء أحد أقدم المتاحف الأهلية في المملكة، وهو” متحف ألمع الدائم للتراث” 1405هـ/1985م وذلك بأحد حصون قرية” رُجال”، بمبادرة أهلية من طيف واسع من أهالي محافظة رجال ألمع، ويحتوي على أكثر من 2800 قطعة أثرية، موزعة على 12 غرفة خصصت كل واحدة منها لنوع معين من التراث؛ مثل الأدوات الزراعية ولباس الرجل والمرأة وزينتهما قديمًا، وأدوات الطبخ ومستلزمات القوافل وأدوات التعليم القديم وغيرها من مظاهر الحياة القديمة، إضافة إلى قسم للمخطوطات النادرة.