تقول الأسطورة الشعبية المتداولة قبل توحيد المملكة على يد الملك عبد العزيز -رحمه الله- وحينما كانت الجزيرة العربية تخضع لفلسفة الكرّ والفرّ بين القبائل التي تنتشر في الجزيرة العربية أن هناك قوماً يعيشون في مكان مناسب للملأ والكلأ لكنهم في الوقت نفسه كانوا ينتظرون غارة قوم يكيلون لهم الشرّ والعداء.
لم يكن هناك أي وسيلة يمكن فيها تحديد الوقت أو الجهة التي يمكن أن يأتي منها هذا الهجوم. كانت حالة انعدام الأمن هي السائدة في تلك الحقبة وكان على القبيلة أن تتوقع أي هجوم في أي وقت. من سوء حظ هؤلاء القوم أن جاءهم الرسول يحمل إليهم رسالة لا يعرف محتواها لأنه ببساطه شخص أمي لا يقرأ. لم يكن هو وحده كذلك؛ بل كان كل القوم مثله.
ماذا في الرسالة يا ترى؟ هل هو نذير شؤم أو بشرى خير؟ لم يكن هناك شخص واحد يفكّ الحرف ليساعدهم في معرفة محتوى هذه الرسالة ويفهم طلاسمها الغامضة التي ملأت هذه الورقة التي يطوفون بها ويحملونها من خيمة إلى خيمة. كان لا بد من معرفة محتواها قبل حلول الليل لكي يرحلوا من هذا المكان ليفوّتوا على العدو فرصة القضاء عليهم والانتقام منهم، أو أن يبقوا في مكانهم إذا كانت هذه الرسالة بشرى خير ينتظرونها. أخذتهم الحيرة وهم يقلّبون هذه الورقة دون جدوى. كان لا بد من قرار يحسم أمرهم. وبينما هم كذلك إذا بشيخ كبير عركته السنون وعلى علم بالظروف المحيطة والسياق الذي يعيشون فيه يقول لهم: أنا أعرف القراءة. أعطوني إياها. نظر العجوز الطاعن في السن إلى الورقة وتمعّن فيها كما لو كان يفهم كل حرف فيها وهو الذي لم يتلقّ أي تعليم وربما كان ينظر إلى الورقة وهي رأساً على عقب. جمع عشرات السنين من الحكمة والخبرة وقال لهم بلهجته الشعبية المختصرة “إذا سلمتم من الصادرات ما سلمتم من الواردات.” عرف القوم مقصد الشيخ على الفور وعرفوا الخطوة التي كان عليهم اتخاذها والقرار الذي عرف الجميع محتواه. عندما أرخى الليل سدوله، أشعلوا النار في أماكن متفرقة من حيّهم وربطوا الكلاب وحزموا أمرهم. كان الغزاة على مقربة منهم وكانوا قد قرّروا الإغارة عليهم آخر الليل بعد أن اطمأنوا لوجودهم. عندما شنّوا الهجوم عليهم لم يجدوا أحداً. كانت النار الموقدة والكلاب التي تنبح مجرد خدعة توهم المراقب من بعيد أن القوم مازالوا في مضاربهم ينامون ويستيقظون. لقد أنقذهم الشيخ من شر مستطير كان سيحيق بهم.
إذا كانت الصورة تغني عن ألف كلمة، كما يقولون، فإن الحدس أو التخمين الجيد يغني عن ألف صورة. القراءة الصحيحة تتجاوز الحرف إلى الموقف.
khaledalawadh@