منذ أن احتلت القهوة مكانتها في العالم العربي، أصبحت رمزًا للكرم وعنصرًا أساسيًا للضيافة والترحيب بالضيف في كل بيت أو بين الاصدقاء، فصار لها عاداتها الخاصة في التحميص من السمراء إلى الشهباء ثم الشقراء بالاضافة لفنون صبها في الفنجان كل على حسب المنطقة التي ارتحلت إليها مع تجارها إلى كل بقاع الأرض.
وللقهوة تاريخها الطويل في مرافقة الأدباء والكتاب، فافتتحت المقاهي التي أصبحت ملاذًا لبعضهم مما يساعدهم على الكتابة، أو مكانًا لتجمعاتهم حتى أن بعضهم ارتبط بها فكتب عنها القصائد وكان أكثر من افتتن بها الشاعر محمود درويش الذي لا تكاد تخلو قصيدة له من ذكرها بين الأسطر، بل أن كلمة “المقاهي” اشتقت اسمها من القهوة بغض النظر عمّا تقدمه من أشربه سواء كانت قهوة أو خلافها.
ليس هذا فحسب، بل أن القهوة ارتبطت بالصباح وشروق الشمس وصوت فيروز، لكن في كل مرة يتطور الوقت يزيد الخناق عليها وحصار الأفكارالخاطئة عنها، حتى نسي الناس دورها الأساسي، فافتتحت المقاهي المتنوعة التي اهتمت بديكورات المكان أكثر من جودة لذة مرارتها،وأُضيفت لها المزيد من النكهات والألوان -والتي في الحقيقة أحبها ولا أقف ضدّ هذه الفكرة- كما وأنها أصبحت ترافق الكتب في الصوربصورة مبالغة ممّا جعل البعض يستهزئ بها كفكرة مرتبطة بينها وبين المثقف فلم تعد سوى مشروب مدلّل بطعم لذيذ جدًا.
في المقابل بقي الشاي في مكانته الشعبية بين الناس، لم يتغير بفعل الوقت، يُشرب في طقس حار أو بارد لا يهم، يجمع في حلاوة آخرالكأس مرارة العمر والأحاديث التي تخفي بين طياتها التعب، شراب العاملين والجند وحكايات تجاعيد كبار السن. وفي الحقيقة لا يمكن لأحد أن يتقن صنع الشاي إلا من عرف كيف يتذوق أوراقه بين الماء والسكر وإن أراد شيئًا من تدليل النفس أضاف النعناع أو الحبق وتناول معه المكسرات.
لا مقاهي كثيرة للشاي، صديق الطرقات والسفر وأميّة القصص، ولهذا بالرغم من انتشار صناعته مؤخرًا وازدياد تجارته، إلا أنه مازال محتفظًا بمكانته وإبريقه الذي كلما توهّج ،زاد لون احتراقه.
ولهذا تقدس الشعوب الشاي وصناعته حيث قال الكاتب الياباني أوكاكورا كاكوزر عنه: ” ينطوي الشاي على سحر خفيّ يجعله لا يقاوَم، ومنه القدرة على إسباغ الإحساس بالمثالية، فالشاي ينأى بنفسه عن غطرسة النبيذ، وعن غرور القهوة وعن البراءة المتكلّفة في نبتة الكاكاو”
وبالرغم من شراهتي في شرب أكواب القهوة يوميًا ، إلا أنه حين يُقدم لي كوبًا من الشاي أو أدعو أحدًا لتبادل الأحاديث ،فأني أختار الشاي مشروبًا لأكسر كل الحواجز المتكلفة بيننا.