عبد الله صقر – مركز المعلومات
كانت الكوفة تمثل بالنسبة لجابر تربة خصبة بمكانتها العلمية والسياسية والمناخية ساعدته كثيراً في الوصول إلى العديد من الاكتشافات العلمية في مجالات الطب والصيدلة والفلك والهندسة والفلسفة وإن كان الأثر الأعظم الذي رُفِعَ به هو أثره في علم الكيمياء أو علم الصنعة كما كان يطلق عليها في ذلك الوقت، لذلك فقد أعد بها مقامه وتزوج من أهلها حيث اتخذ بيتًا واسعًا أقام فيه معملًا خاصًا لتجاربه وأبحاثه، بينما جعل النهار لدكان العطارة الملحق بمنزله أيضًا كمصدر للرزق، وكانت العطارة مهنة والده الأصلية فورث عنه طريقتها وأسرارها، وبذلك فقد تم له الاستقرار الأسري والمادي والمعنوي ليُمَهَّد الطريق أمام نبوغ علمي عربي منتظر.
كان لجابر فلسفته الخاصة في طريقة إعطائه للعلم باعتبار انه كان طالباً للعلم قبل أن يكون معلماً، فعاش التجربتيْن بعمق صقلتا شخصيته.
كان محباً للعلم، وأخذ هذا من صنعة أبيه (العطارة)، فشاهدَ حيان مقدار حب جابر لمهنة العطارة فقام بتعليمه ما يعرِفه عن هذه المهنة.
يختصر جابر بن حيان فلسفته التي تصف العلاقة بين الأستاذ وتلميذه في المقالة الأولى من «كتاب البحث» قوله:((إن سبيل الأستاذ والتلميذ أن يكونا متعاطفيْن بعضهما على بعض تعاطف قبول، وأن يكون التلميذ كالمادة، والأستاذ له كالصورة)).
فهو يخاطب التلميذ ويوصيه بأن يكون لينًا لمعلمه قبولًا لأقواله كتومًا لسره ويؤكد له أن طاعة التلميذ لأستاذه هي المفتاح الذي سيُمَكِّنه من فتح أبواب العلم والمعرفة وإلا فلن يصيبه من ثمارها إلا القشور، وينصح المعلم بامتحان قريحة تلميذه وقياس مدى قدرته على التعلم والتذكر فلا يزيد له في العلم إلا على قدر احتماله ويكون القدر المعطى موافقًا لقدرة تلميذه على الاستيعاب، حتى إذا تدرج وبلغ مراتب الأساتذة ذكره بوجوب تعليمه لهذا العلم ونقله إلى غيره.
كان جابر حريصًا على كتم علمه وإخفائه عن غير أهله فلا يفضي به إلا لمستحقيه، وله في ذلك حكمة تلوح لنا أسرارها من بين كلماته ..
فهذا تلميذ قد جاءه طالبًا لعلمه فلم يأذن له إلا بعد أن وجد منه إصرارًا ورغبة وتأكد من أهليته لقبول أسرار ذلك العلم حينئذ توجه إليه قائلًا له: (إنما أردت أن أختبرك وأعلم حقيقة مكان الإدراك منك، ولتكن من أهل هذا العلم على حذر ممن يأخذه عنك؛ واعلم أنه من المفترض علينا كتمان هذا العلم وتحريم إذاعته لغير المستحق من بني نوعنا، وألا نكتمه عن أهله، لأن وضع الأشياء في محالها من الأمور الواجبة، ولأن في إذاعته خراب العالم،وفي كتمانه عن أهله تضييعًا لهم).
صفات الباحث
أسس جابر بن حيان المبادئ الخلقية التي يجب أن يتصف بها الباحث العلمى وهي ذات المباديء والمستخدمة منذ أكثر من عشرة قرون وحتى اليوم
وهى مبادئ يرى أنه يجب أن يتصف بها إذا أراد حقا أن يكون باحثا موضوعيا نزيهاً، وهى صفات لا يخلو منها كل عالم ينشد الحقيقة.
يقول جابر لتلميذه أنه لا نجاح فى عمل علمى إلا إذا كان مسبوقاً بعلم، فالتحصيل النظرى أولاً ثم التجربة والتطبيق بعد ذلك.
في نظر جابر لابد ان يكون الباحث مثابراً غير يائس من الكشف عن الحقيقة المبتغاة، فما أكثر ما يقتضي البحث عناءً وجهداً شديداً، قد لا يحتمله الباحث، فينفض عنه فى قنوط، لكن الذى يريد الإحاطة بعلم من العلوم، يجب عليه المثابرة التى لا يعرف اليأس إليها سبيلا، كذلك على الباحث أن يخفى نتائج علمه وأبحاثه عن الجهلاء والدهماء، ولا يعرف بها إلا المخلصين من العلماء وأهل الاختصاص، حتى لا يُساء استغلال الأبحاث العلمية فى غير موضعها، كما أن عليه أن يكشف عن أبحاثه لأهل الاختصاص كل على قدر فهمه وحدود إدراكه، حتى لا يعجز عن الفهم والتصور لمثل هذه النتائج البعيدة
وعلى الرغم من أن التحصيل الكامل قد يقتضى تعباً وجهداً كبيرين لكنه لا مفر من ذلك إذا أراد الوصول إلى الحقيقة كاملة فيقول: (( اتعب أولا، ثم تصل إلى ما تريد )).
ولابد أن يتحلّى الباحث، بصفة (( الإنصاف )) وحيث إن الحقيقة هى طلبة العالم وغايته من بحثه، لذلك عليه تحقيق هذه الصفة إلى أقصى حد ممكن، فعليه إنصاف خصومه من العلماء، وإيراد حججهم كلها، حجة حجة، غير تارك لبعضها عمداً، ولا مضيفاً إليها شيئاً من عنده، ثم يرد على كل واحدة بما يراه مناسباً، حتى يعطيهم حقهم غير منقوص شارحاً لوجهة نظره بموضوعية.
يقول بن حيان: (( إن العالم إذا كان منصفا فإنه ليس ينزل فى الأقسام شيئا إلا ذكره، واحتج عليه وله، وأخذ حقه من خصومه، ووفاهم حقوقهم، وإلا فقد وقع العناد حماقة وجهلا )).
اختراعات اخرى
قام جابر بن حيان باختراع حبر مضيء استخدمه لكتابة المخطوطات الثمينة لإمكان قراءتها في الظلام، واستخدم لأجل ذلك المرقيشيا الذهبية ((بيريت الحديد أو كبريتيد النحاس))، واستخدمه بدل الذهب الغالي الثمن.
كما تمكن من اختراع نوع من الورق غير قابل للاحتراق، وتمكن من اكتشاف نوع من الطلاء إذا دهن به الحديد لا يصدأ وإذا صبغت بها الملابس تصبح مضادّة للبلل.
ومن أشهر إسهاماته العلمية إختراع القلويات ، وصاحب الفضل فيما عرفه الأوربيون عن ماء الفضة والنشادر والبوتاسيوم.