عبد الله صقر – مركز المعلومات
شكّلت اكتشافات جابر بن حيان الكيميائية اللبنة الأولى لصناعة اليوم وبدأ ذلك باكتشاف الصودا الكاوية التي أدى اكتشافها إلى نقلة صناعية كبيرة، وقام بإيجاد محاليل حمضية استخدمها في كثير من الأشياء وأولها فصل الذهب عن الفضة تلك الطريقة التي ظلت سائدة إلى الآن، بل وأول من تمكن من استحضار ماء الذهب، وأول من اكتشف حامض النتريك وحامض الهيدروكلوريك وحامض الكبريتيك الذي أطلق عليه اسم زيت الزاج، وادخل سبلاً جديدة في عملية التبخير والتقطير والتصفية والانصهار والبلورة، كما أعدَّ كثيراً من المواد الكيميائية كسلفيد الزئبق وأكسيد الارسين.
علم الفلك والكيمياء
اهتمّ جابر بن حيّان بدراسة الفلك من الناحية الكيميائية حيث تبنى جابر العديد من الأفكار التي تدور حول الفلسفية الكونية حيث قسّم العناصر الكونية الأولية إلى أربعة، وهي: الحرارة، والبرودة، واليبوسة، والرطوبة، والتي طرأت عليها حركة وسكون مما أحدث تركيبات متنوعة منها، بالتزامن مع مبدأ الكميّة الذي دخل في عملية امتزاحها، كزيادة اليبوسة وقلة الحرارة وبهذا تكون مراجل الوجود هي الكيفيات، ثم الحركة، ويليها السكون وأخيرًا الكميات.
كما أوجد تقسيمة رباعية جديدة في اتحاد العناصر الأولية.. إذ إن اتحاد الحرارة مع اليبوسة أوجد النار، واتحاد الرطوبة مع الحرارة أوجد الهواء، بينما نتج عن اتحاد الرطوبة والبرودة الماء، وعن اتحاد اليبوسة والحرارة تشكلت الأرض، ورتب العناصر الجديدة تنازليًا بدءًا من النار التي يقابلها فصل الصيف، ثم الهواء الذي يمثل الربيع، والماء يعبر عن الشتاء، وأخيرا الأرض تدل على الخريف، كما ربط تلك العناصر بتقسيم جسم الإنسان والأمراض التي قد تصيبه وعلاجها وغيرها من التقسيمات الأخرى التي يرجع أصلها للعناصر الأولية وما اشتق عنها.
يُمثل الفلك في وجهة نظر ابن حيان الإطار الخارجي للكون، وجُرمه هو ما يملأ هذا الإطار، وهنا يزعم أن الإطار الخارجي للكون يتألف من العناصر الأولية السابقة وهي اليبوسة والحرارة والبرودة والرطوبة، والتي تتركب الأشياء الأخرى بشتى أنواعها بالاعتماد عليها
الإتحاد الكيميائي والطاقة الذرية
كان لجابر نظرية رائدة تنصّ على أن جميع المعادن نشأت من اتحاد معدنين فقط -مثلهما بالكبريت والزئبق- تكونا أولًا في جوف الأرض من الأجسام الأربعة السالفة من خلال تكثيف الدخان الأرضي مع بخار الماء ومنهما نشأت بمرور الزمن معادن أخرى جديدة لم يكن لها أي وجود في الطبيعة، ويرى أن كل معدن يتكون بالفعل من الأصول الأولية الأربعة (الحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة) ولكنه يُظهر اثنين من تلك الأصول ويُخفى الأصلين الآخرين، وعن طريق إظهار الباطن وإخفاء الظاهر نستطيع تحويل أي معدن لآخر،
يقول ابن حيان في نظريته عن الاتحاد الكيميائي في كتابه «المعرفة بالصفة الإلهية والحكمة الفلسفية»، «يظن بعض الناس خطأً أنه عندما يتحد الزئبق والكبريت تتكون مادة جديدة في كُلِّيتها. والحقيقة أن هاتين المادتين لم تفقدا ماهيتهما، وكل ما حدث لهما أنهما تجزَّأتا إلى دقائق صغيرة، وامتزجت هذه الدقائق بعضها ببعض، فأصبحت العين المجردة عاجزة عن التمييز بينهما. وظهرت المادة الناتجة من الاتحاد متجانسة التركيب، ولو كان في مقدرتنا الحصول على وسيلة نفرق بين دقائق النوعين، لأدركنا أن كلاً منهما محتفظ بهيئته الطبيعية الدائمة، ولم تتأثر مطلقًا». ويمكن تشبيه هذه النظرية بالنظرية الذرية التي وضعها العالم الإنكليزي جون دالتون. رأى بعض العلماء أن جابر بن حيان مهَّد لاختراع القنبلة الذريّة حيث أنه أول من أشار إلى قوة الربط الذرية التي بني على أساسها عملية تفجير طاقة الذرة، بل أنه قال بالنص: “في قلب كل ذرة قوة لو أمكن تحريرها لأحرقت بغداد“. كما قال “إن أصغر جزء من المادة وهو الجزء الذي لا يتجزأ (الذرة) يحتوي على طاقة كثيفة. وليس من الصحيح أنه لا يتجزأ مثلما ادعى علماء اليونان القدامى، بل يمكن أن يتجزأ، وأن هذه الطاقة التي تنطلق من عملية التجزُّؤ هذه، يمكن أن تقلب مدينة بغداد عاليها سافلها. وهذه علامة من علامات قدرة الله تعالى”.
هذه النظرية لم تثبت علميا إلا في سنة 1938 م وذلك حينما اكتشف “أوتوهان” ومساعده “شتراسمان” أنّه بقذف نواة عنصر اليوارنيوم 235 بنيوترون فإنها تنفلق إلى عنصرين آخرين هما: الإسترونشيوم والزينون. والأهمّ من ذلك، انبعاث نيوترونات نشطة من هذه العملية، تسمح بإجراء تفاعل متسلسل، يصاحبه انطلاق طاقة مروّعة جداً في فترة زمنية جدّ قصيرة
السموم ودفع مضارها
أما أشهر كُتب جابر بن حيّان فهو كتاب السموم ودفع مضارها ويعد هذا الكتاب هو الرابط الأول بين الطب والكيمياء. باعتبار ان السميات من أشد الأشياء علاقة بعلم الطب
حيث فصّل فيه السموم وأسماءها وأنواعها وتأثيراتها المختلفة على الإنسان والحيوان ومداواتها. وعلامات التسمم والمبادرة إلى علاجها والاحتراس من السموم
وذلك بعد أن قسم السموم إلى سموم حيوانية ونباتية ومستحضرة كالزئبق والزرنيخ والزاج،
والكتاب مقسوم إلى ستة فصول:
الأول: في أوضاع القوى الأربع وحالها مع الأودية المسهلة والسموم القاتلة، وحال تغير الطبائع المركبة منها أبدان الحيوانات.
والثاني: في أسماء السموم ومعرفة الجيد منها والرديء وكمية ما يسقى من كل واحد منها، وكيف يسقى، وأوجه إيصالها إلى الأبدان.
والثالث: في ذكر السموم العامة الفعل في سائر الأبدان، والتي تخص بعض أبدان الحيوان دون بعض، والتي تخص بعض الأعضاء من أبدان الحيوانات دون بعض.
والرابع: في علامات السموم المسقاة والحوادث العارضة عنها في الأبدان والإنذار فيها بالإخلاص والمبادرة إلى علاجه والحكم بالإياسي مما لا حيلة فيه.
والخامس: السموم المركبة وذكر الحوادث الحادثة عنها. والسادس: في الاحتراس من أخذ السموم قبل أخذها، فإذا أخذت لم تكد تضر، وذكر الأدوية النافعة في السموم إذا شربت من بعد الاحتراس منها.
وقد قسم السموم إلى ثلاثة أنواع: حيوانية ونباتية وحجرية، فمثال الأولى مرارة الأفاعي، ومرارة النمر، ولسان السلحفاة، وذنب الإيل، والأرنب البحري، والضفدع والذراريح والعقارب والكلب الكَلِب، ومثال الثانية البيش، وقرون السنبل والأفيون، والبنج الأسود والشوكران، والشيلم والجوز ماثل، والكسيرة، وبزر قطونا، والقطر، والكمأة، وصمغ الشذاب والبلاذر والدفلى والخربق واللفاح واليبروج وعنب الثعلب والحلتيت، ومثال الثالثة الزنجار والزئبق والزرنيخ والنورة والزاج والشب والطلق وبرادة الحديد وبرادة الذهب.