إحتلت المملكة العربية السعودية المرتبة 46 من أصل 57 دولة شاركت في الإختبار الدولي الموسوم بيرلز 2021 في مهارات القراءة عند طلاب الصف الرابع الإبتدائي الذي أعلنته الأسبوع الماضي منظمة تعاونية دولية تجري هذا النوع من الإختبارات كل خمس سنوات، وقد احتفلت هيئة التقّويم بهذا الخبر معتبرةً أنه “يظهر تحسّناً في أداء طلبة المملكة في دورة عام 2021م مقارنةً بأدائهم في الدورات السابقة”. يجدر بالذكر أن متوسط الدرجة التي حصل عليها طلابنا في الدورتين السابقتين بلغ 430 بينما بلغ متوسط الدرجة في الدورة الأخيرة 449 درجة.
ليس هذا هو موضوع حديثنا في هذا المكان ولن نناقش الدرجة التي حقّقها طلابنا بل سنتناول في الحديث الدولة التي احتلت المركز الأول في هذا الاختبار وهي هنا جمهورية سنغافورة التي تجاوزت دولاً غنية كبرى كدول مجموعة العشرين مثل روسيا والولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وغيرها. ما هو السرّ الذي يجعل سنغافورة تحرز المركز الأول في الإختبارات الدولية؟
أولاً، سنغافورة دولة بلا جغرافيا. هي دولة المدينة الواحدة التي لا تكاد تراها على الخريطة، وسوف تجد صعوبة في البحث عنها في خريطة العالم والسبب هو أن مساحتها تبلغ 0.03 بالمائة من مساحة المملكة العربية السعودية، إذ تُقدّر مساحة اليابسة فيها 710 كم2 فقط.
ثانياً، سنغافورة دولة بلا تاريخ. خضعت للإحتلال الياباني أول الأمر ثم ماليزيا ثم الإحتلال البريطاني ثم حصلت هذه الدولة الصغيرة على الإستقلال في عام 1965م. لا يوجد إرث حضاري تاريخي تستند عليه بسبب ما سنذكره في الفقرة التالية.
ثالثاً، سنغافورة دولة بلا ثقافة واحدة. هي في الواقع خليط بين ثقافات. سكانها من المهاجرين الذين ينتمون في الأصل إلى ثقافات أخرى أو تاريخ مستقل آخر فهم صينيون وملاويون وهنود وأعراق أخرى. ولهذا فقد تبنّوا الإنجليزية كلغة مشتركة بينهم في هذا المكان الضيّق الذي تعادل مساحته مساحة مدينة صغيرة في المملكة.
رابعاً، سنغافورة دولة بلا دين واحد إذ يعتنق سكانها البوذية والمسيحية والإسلام والهندوسية والطاوية (فلسفة دينية صينية) ويبلغ أولئك الذين لا يدينون بأي دين أو فلسفة 20 بالمائة من السكان. ولنتذكّر أن عدد السكان 5 مليون نسمة فقط.
خامساً، سنغافورة دولة بلا لغة واحدة فهم يتحدثون أربع لغات رسمية هي الإنجليزية والملاوية والماندرين والتاميل. ولهذا السبب هم يستخدمون الإنجليزية كلغة مشتركة بينهم.
سادساً، سنغافورة هي دولة بلا هويّة إذ إنها الدولة، أو المدينة، الأكثر عولمة في هذا العالم. ولا يحتاج الأمر لكثير من التفكير حول سبب ذلك. يسعى المهاجرون في أي مكان إلى التشبّث بالعمل والحرص على النجاح فيه وتهيئة السبل للوصول إلى إقتصاد قوي متين يساعده كمهاجر (أو هكذا يتخيّل دون وعي منه) في العيش بسلام ورفاهية. سنغافورة دولة وظيفية لا تملك الجغرافيا والتاريخ والثقافة والدين واللغة والهويّة. قاطنها كائن معلّب يسهل التحكّم به وترويضه حسب الحاجة.
لهذا، ليتوقّف التربويون والإقتصاديون عن غناء أُسطوانة سنغافورة كمثال مدهش على التعليم الجيد، حتى لو احتلّت المركز الأول في الإختبارات الدولية، أو الإقتصاد القوي، حتى لو احتلّت المرتبة الأولى في مؤشر وهمي إسمه جودة الحياة.