اجتماعية مقالات الكتاب

المستقبل للعلوم الإنسانية «6»

أظهرت بعض الإحصائيات التي نشرتها إحدى المجلات الأمريكية مؤخراً إنخفاض معدّل قبول الطلاب في قسم اللغة الإنجليزية في جامعة أريزونا الأمريكية منذ عام 2012م إلى ما قبل اندلاع أزمة كورونا من 953 طالباً إلى 578 طالبا.

تعتبر جامعة أريزونا منارة الديموقراطية في التعليم الجامعي الأمريكي إذ تضمّ أكثر من 80 ألف طالب نصفهم ينتمون إلى الأقليات ومتوسط أجرة الدراسة فيها تصل إلى 4000 دولار ونسبة الأستاذ إلى الطالب فيها أفضل من جامعة بيركلي الشهيرة، وتنفق على البحث العلمي أكثر من جامعة برينستون.

يعتبر الطالب الذي يدرس الأدب الإنجليزي في هذه الجامعة محظوظاً إذ يضم قسم اللغة الإنجليزية 71 عضو هيئة تدريس، بما فيهم 11 أستاذاً في أدب شكسبير، وفي عام 2021م حصل إثنان من أعضاء هذا القسم على جائزة بوليتزر الأدبية المرموقة.

لا شك أن هذا إنخفاض واضح في القبول في أحد أهم فروع العلوم الإنسانية في أعرق مكان يمكن أن تدرس فيه، إلا إن هذه الحقيقة لم تمنع سانجاي سارما وهو أحد أساتذة الهندسة الميكانيكية في أشهر معقل للعلوم الطبيعية والتقنية وهو معهد ماساشوستس للتقنية MIT من القول إن المستقبل للعلوم الإنسانية.

ولعل عالم النفس ذائع الصيت جيروم برونر والذي قضى عمره منذ مطلع القرن العشرين في دراسة المناهج وطرق التدريس (توفي 2016م) هو أشهر العلماء الذين اعترفوا بخطأ التركيز على العلوم الطبيعية وتجاهل العلوم الإنسانية وأنه كان لابدّ من الاهتمام بالعلوم الاجتماعية والتاريخ والأدب لأنها “الموضوعات الأقرب إلى الحياة،والأقرب إلى الطريقة التي نعيشها” كما يقول.

وليس الأمر يقتصر على برونر فقط وإنما الكثير من علماء المنهج عبّروا عن ذلك صراحة إذ يقولون إننا نحرم الأطفال من خدمة يحتاجونها بشدة عندما نهمّش هذه العلوم وخاصة الآداب، كالشعر والقصة والرسم على سبيل المثال، ونقلّصها أونلغيها من الجدول الدراسي لأن هذه العلوم ليست لإضفاء المتعة فقط وإنما تساعد على تنمية مهارات التفكير لدى الصغار والكبار وتوسيع آفاقهم وفهمهم بطريقة لا توفّرها العلوم الأخرى.

الحياة ليست اختباراً يستخدم أسلوب الاختيار المتعدّد كما تحاول الإختبارات المعيارية في العلوم والرياضيات أن تخبرنا.
العلوم الإنسانية تتيح للمتعلّم الإبداع بإستخدام خياله ليتجاوز المعرفة الرقمية التي تقول إن هناك إجابة واحدة للسؤال أو حل واحد للمشكلة.

هناك أكثر من حلّ للمشكلات التي نواجهها والفارق بين أيّها الأفضل يكون في الفرق بين الخبرات التي عشناها.
العلوم الإنسانية تقدّم تجربة مختلفة ومعرفة ثرية تتجاوز الأرقام والمعاني الحرفية. نحن نعبد الله كأننا نراه ولا نحتاج أن نراه، لأن هذا فوق طاقتنا، لكي نصدّق أنه موجود كما تحاول العلوم الطبيعية والتقنية أن تقنعنا.

لكن يبدو أن علماء التربية في أمريكا هم آخر من يتحدث عن التربية والدليل هو أن صوت “بيل جيتس” الذي لم يحصل على شهادة جامعية أعلى من صوت “جيروم برونر” الذي لا يكاد يسمعه أحد.

khaledalawadh@

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *