متابعات

الزهراوي.. رائد صناعة الطباعة وأقراص الدواء

عبد الله صقر – مركز المعلومات

كتب أبو عبد الله الحميدي في كتابه “جذوة المقتبس في أخبار علماء الأندلس” إن أبا القاسم الزهراوي “كانَ من أهل الفضل والدِّينِ والعلم، وكان يخصص نصف نهاره لمعالجة المرضى مجانا لوجه الله عزّ وجل”. يعد الزهراوي مثالاً فريدًا على عظمة ومدى ما وصلت إليه الحضارة الإسلامية في زمانه من أوج ورقي يتحدث الزهراوي عن فلسفته في العلاج فيقول ان أي موهبة لدي قد حصلت عليها من قراءاتي لكتب الأقدمين وبتعطشي لفهمها وذلك لإستخراج المعرفة منها استطاع الزهراوي ان يتصدى ويطعن في آراء ومقولات عدّها القدماء ضربآ من الحقائق والمسلمات كونه الزم نفسه طوال حياته بمنهجية التجربة والممارسة ودراسة كل العلوم التي تخصص فيها بعمق وإمعان. يعلل الزهراوي ما اخذه عليه البعض في أسلوب التوجيه الجازم له في خطاباته ومقالاته الى العلم والفهم الواسعين فيما تعلمه وعلمه لطلابه وضرورة وجود المهارة اللازمة لأدائها في فلسفته أيضا لا يكون الطبيب جراحآ إلا عندما ينهي دراسة الطب لجميع الأعضاء ولذلك نجد ان الجراحة في كتاب التصريف في الجزء الأخير من كتابه ففي علاج الخدر بالكي كان الزهراوي حازما بقوله( لا يجوز لمن لا يملك معرفة تامة بعلم التشريح الأطراف ومخارج الاعصاب التي تتحرك في انحاء الجسم ان يقوم بهذه العملية).


قصب السبق
كان للعالم الزهراوي العديد من الإنجازات الهامة في المجالات الطبية المختلفة، فهو أول من استخدم الخيوط الجراحية، وقام بصنعها عن طريق استخراجها من أمعاء الحيوانات.
وأول من استخدم الكي بالنار لوقف النزيف. كما كان الرائد في استخدم الكلاليب الخاصة لقلع الأسنان، كما استخدم عظام الحيوانات لصنع أسنان بديلة. كما أجرى عمليات لاستئصال اللوزتين. واخترع آلة خاصة تساعد على إخراج الجنين في حالة تعسر الولادة.كما ابتكر عملية القسطرة، واستخدمها في غسيل المثانة وإزالة الدم المتجمع من تجويف الصدر.
والزهراوي أول من وصف مرض الهيموفيليا (نزف الدم الوراثي).وأول من شرح ووصف الحمل خارج الرحم.
كما أجرى عمليات لاستخراج الحصوات من المسالك البولية (المثانة)؛ إذ استخدم ملقطًا خاصًا قام بابتكاره في استخراج الحصوات من المثانة. وساهم بشكلٍ كبير في تطور جراحة العظام، وعلاج الكسور التي تصيبها.
ويعد الزهراوي أول من شرح عملية استئصال المعدة.ومن أوائل الأطباء الذين أجروا عمليات تجميل، كما استخدم الحبر لتحديد أماكن الشقوق في المرضى قبل البدء بالجراحة.


الزهراوي ومرض السرطان
لقد كان مرض السرطان وعلاجه من الأمراض التي شغلت الزهراوي، فأعطى لهذا المرض الخبيث وصفًا وعلاجًا بقي يُستعمل خلال العصور حتى الساعة، ولم يزد أطباء القرن العشرين كثيرًا على ما قدمه علاّمة الجراحة الزهراوي.
ويقول الزهراوي “السرطان إنما سُمِّي سرطانًا لشبهه بالسرطان البحري، وهو على ضربين: مبتدئ من ذاته، أو ناشئ عقب أورام حارة… وهو إذا تكامل فلا علاج له ولا بُرْءَ منه بدواء ألبتةَ، إلا بعمل اليد “الجراحة أو الكي” إذا كان في عضوٍ يُمكِنُ استئصاله فيه كله بالقطع.
وقد فصل الزهراوي ثلاثة أنواع من السرطان؛ سرطان العين: حيث يذكره الزهراوي في كتابه “التصريف لمن عجز عن التأليف”، ويقول: في الفرق بين سرطان القرنية وسرطان البدن: “إنه إذا ما حدث في العين لزمه وجع شديد مؤلِم مع امتلاء العروق والصداع وسيلان الدموع الرقيقة، ويفقد العليلُ شهوةَ الطعام ولا يحتمل الكحل، ويؤلِمُه الماء، وهو داءٌ لا يُبرَأ منه، لكن يعالج بما يسكن الوجع”.
انفرد الزهراويُّ بذكر سرطان الكُلَى بشكل صريح؛ إذ قال: “الصلابة على نوعين إما أن تكون ورمًا سرطانيًّا، وإما أن يكون التحجُّر من قِبَل الإفراط في استعمال الأدوية الحادَّة عند علاج الورم، وعلامة الصلابة فقدُ الحس بدون وجع، ويحس العليل بثقل شديدٍ وكأن شيئًا معلقًا بكُلْيَتِه العليا إذا اضطجع، ويكون الثقل أكثر من خلف من ناحية الخاصرة، ويتبع ذلك ضعف الساقين وهزل البدن واستسقاء، ويكون البول يسير المقدار رقيقًا غير ناضج.
سرطان الرحم: يذكر الزهراوي عنه أنه على نوعين؛ إما متقرح وإما غير متقرح، وعلامته أن يكون فيما يلي فمَ الرحم جاسيًا (صُلبًا) ليس بالأملس، ولونه كلون الدرد إلى الحمرة، وربما كان إلى السواد، ويعرض معه وجع شديد عند الأربيئتين (أصل الفخذين)، وأسفل البطن والعانة والصلب، وعلامة المتقرح سيلان الصديد الأسود المنتن منه، وربما سال منه شيء مائي أبيض وأحمر، وربما جاء منه دم”.

الرائد الأول للطباعة
يعد الزهراوي أول رائد لفكرة الطباعة في العالم؛ فلقد خطا الخطوة الأولى في صناعة الطباعة، وسبق بها الألماني يوحنا جوتنبرج بعدة قرون، وقد سجل الزهراوي فكرته عن الطباعة ونفذها في المقالة الثامنة والعشرين من كتابه الفذّ (التصريف)؛ ففي الباب الثالث من هذه المقالة، ولأول مرة في تاريخ الطب والصيدلة يصف الزهراوي كيفية صنع الحبوب (أقراص الدواء)، وطريقة صنع القالب الذي تُصَبُّ فيه هذه الأقراص أو تُحَضَّر، مع طبع أسمائها عليها في الوقت نفسه باستخدام لوح من الأبنوس أو العاج مشقوق نصفين طولاً، ويحفر في كل وجه قدر غلظ نصف القرص، وينقش على قعر أحد الوجهين اسم القرص المراد صنعه، مطبوعًا بشكل معكوس، فيكون النقش صحيحًا عند خروج الأقراص من قالبها؛ وذلك منعًا للغش في الأدوية، وإخضاعها للرقابة الطبية, وفي ذلك يقول شوقي أبو خليل: “ولا ريب أن ذلك يعطي الزهراوي حقًّا حضاريًّا لكي يكون المؤسِّس والرائد الأول لصناعة الطباعة، وصناعة أقراص الدواء؛ حيث اسم الدواء على كل قرص منها، هاتان الصناعتان اللتان لا غنى عنهما في كل المؤسسات الدوائية العالمية، ومع هذا فقد اغتُصِب هذا الحق وغفل عنه كثيرون”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *