في حضور جريء وغير مسبوق فاجأتنا أكاديمية الشعر العربي في الطائف بدعوة الشاعر والناقد المفكر العربي الكبير أدونيس ” علي أحمد سعيد” المولود في سوريا عام 1930م، الذي كنت أتوق إلى حضور أمسياته الشعرية منذ زمن، ولم أتمكن رغم أني قابلته في مناسبتين خارج المملكة، كنت ولا زلت معجبًا أيما إعجاب بشعره وأبحاثه، خاصة كتابه الشهير” الثابت والمتحول” الصادر عام 1973م، الذي كان بحثًا فريدًا في الإبداع والاتباع والذي لا زال محط اهتمام الجامعات العربية والغربية نظرًا لما يحتويه من جهد في البحث وتجديد في الفكر ودقة في المنهج.
وزيارة أدونيس للمملكة حدث انتظره الكثيرون في الساحة الثقافية، التي بدأت بالرياض؛ حيث احتفى به الجميع وحضر أمسيته الكثير من الأدباء والشعراء، ووجدت الصحافة في المناسبة حدثًا ثقافيًا كبيرًا مثيرًا للجدل، ووصفته الصحف أنه حضور نوعي مكثف للنخبة احتفاء بأدونيس الشهير بمشاغباته الفكرية.
ولقد رحب المثقفون في وسائل التواصل بهذه الزيارة والضيف حيث غرد د. سعيد السريحي قائلًا: حين نضع زيارة أدونيس، شاعرًا وباحثًا للمملكة في سياق انفتاحنا على العالم انفتاحًا مدعومًا بثقتنا في أنفسنا ومعززًا برغبتنا في الحوار، ومرتكزًا على الاعتراف بحق الآخر في الاختلاف، حين نضع زيارة أدونيس في هذا السياق ندرك البعد الرمزي الهام لهذه الزيارة.
والجميل كذلك أن الضيف نفسه عبر في حديث قائلًا:” سعيد جدًا لدرجة أنني لا أعرف كيف أصف هذه السعادة”.
ومن طرائف ما لاحظت خلال وجودي في جامعة الطائف حيث أكاديمية الشعر العربي، وقد تدفق المعجبون للسلام على الضيف والتقاط الصور التذكارية معه بشكل ملفت للنظر، إلى الحد أن جاءني أحد العاملين، وكان من جنسية غير عربية وصدف تواجده وقتها أن سألني مستغربًا.. من هو هذا الضيف؟ كدت أجيبه أنه طاغور أو إقبال أو أمير خسرو العرب ولكن آثرت الابتسام والصمت.
وفي الأمسية الشعرية التي دعت لها أكاديمية الشعر العربي وأقيمت في جدة بمسرح جامعة الأعمال والتكنولوجيا، التي كانت خاتمة الأمسيات، تكلم الضيف عن إعجابه بما شاهده خلال الزيارة، خاصة الآثار الرائعة في العلا، التي زارها خلال جولته قائلًا: لقد زرت جميع قارات العالم من الصين حتى البرازيل ولم أشاهد إرثًا إنسانيًا في مكانة العلا وفي جمال آثارها.
ولا يخفى أن هناك من يرى أن الزيارة ليس بتلك الأهمية، وليست كما يراها البعض من المثقفين، وقد جاء هذا التعليق من داخل المملكة وخارجها؛ حيث قيل: إن الضجة التي صاحبت هذه الزيارة غير مبررة، حيث إن أطروحات أدونيس قد تجاوزها الزمن.
وخلاصة الأمر أن مفكرًا مثل أدونيس وشاعرًا في قيمته عاش تجربة حياتية وخبر تقلبات الحياة العربية، لا يمكن إلا أن نصغي ونتعلم من تجربته، خاصة الأجيال التي جاءت بعده، لا سيما أنه الآن، قد ناهز الثالثة والتسعين، ولا زال دؤوبًا على البحث والمعرفة. أذكر أنه اختتم حديثه في آخر أمسياته، أنه لا زال يشعر أنه لم يكتب بالمستوى الذي يريد أن يكتبه.
والأجمل الذي يجب أن نختم به، هو أننا تعلمنا أن إطلاق الأحكام العامة لا تخدم أحدًا، ويجب أن نعرف أن الثابت والمتحول من أهم ما كتب بعد كتاب طه حسين عن الشعر الجاهلي منذ عشرينيات القرن الماضي.
sal1h@