متابعات

موسوعة الزهراوي الطبية تحظى باهتمام الحضارات

 عبد الله صقر – مركز المعلومات

«ألغت طرق الزهراوي طرق جالينوس، وحافظت على مركز متميز في أوروبا لخمسمائة عام. … كما ساعد على رفع مكانة الجراحة في أوروبا المسيحية، …» دونالد كامبل مؤرخ الطب العربي يصف تأثير الزهراوي على أوروبا. أما بيترو أرغالاتا (المتوفي عام 1435م) فيصف الزهراوي قائلًا:« بلا شك هو رئيس كل الجراحين». يقول عالم وظائف الأعضاء الكبير هالّ: “كانت كتب أبي القاسم المصدر العام الذي استقى منه جميع من ظهر من الجراحين بعد القرن الرابع عشر”. أما الجراح الفرنسي (غي دي شولياك) فقد استشهد بكتاب «التصريف لمن عجز عن التأليف» أكثر من 200 مرة. يعد الزهراوي أكبر المرجعيات الجراحية في العصور الوسطى وقد ظل تأثير الزهراوي حتى عصر النهضة، وقد كرمته إسبانيا بإطلاق اسمه على أحد شوارع قرطبة القريبة من جامع قرطبة. تعتبر المبادئ التي وضعها الزهراوي في العلوم الطبية موثوقًا بها، ولذلك تستمر في التأثير في عالم الطب حتى الآن.
وكان أثرُ الزهراويِّ عظيمًا في أوروبا، فقد تُرجِمَت كُتُبه إلى لغات عديدة، ودرست في جامعات أوروبا الطبِّية، واقتفى أثرَه الجرَّاحون الأوروبيُّون، واقتبسوا عنه، حتى إنه في كثيرٍ من الأحيان انتحَلوا بعض اكتشافاتِه من دون أن يذكروه كمصدر أولي

حجر الأساس للجراحة..
للزهراوي العديد من المؤلفات، منها تفسير الأكيال والأوزان، ومختصر مفردات خلف بن عباس الزهراوي وخواصها، المقالة في عمل اليد، غير أن أشهر مؤلفاته هو التصريف لمن عجز عن التأليف. حلَّ مبحث الزهراوي في الجراحة بالذات محلَّ كتابات القدماء، وظل العمدة في فن الجراحة حتى القرن السادس عشر، وباتت أفكاره حدثًا تحوُّليًّا في طرق العلاجات الطبية؛ حيث هيأ للجراحة قدرة جديدة في شفاء المرضى أذهلت الناس في عصره وبعد عصره. وقد اشتمل هذا البحث على صورة توضيحية لآلات الجراحة، التي كان لها أكبر الأثر فيمن أتى من بعده من الجراحين الغربيين، وكانت بالغة الأهمية على الأخص بالنسبة لأولئك الذين أصلحوا فن الجراحة في أوربا في القرن السادس عشر؛ فقد ساعدت آلاته هذه على وضع حجر الأساس للجراحة في أوربا.
عاش الزهراوي طبيبًا فقيرًا على ما يبدو، متقشفًا، محبًا لطلبة الطب وصنعته، واصفًا لهم في مقدمة كتابه بـ “أبنائه”، باذلًا وقته ومجهوده لمساعدة الفقراء والمرضى، وقد أمدنا هذا الكتاب العظيم “التصريف لمن عجز عن التأليف” بثلاثين مقالة (مجلد) في العلوم الطبية والتشريح والصيدلة وصناعة الأدوية، وأهمها المقالة الثلاثون في علم الجراحة التي تعد قمة التطور والثورة الطبية التي ولجها الزهراوي في عصره.

وكان مؤلَّفُه الكبير المرجعَ الأمين لأطبَّاء أوروبا من أوائل القرن الخامس عشر إلى أواخر الثامن عشر.
وكل مجلد منهم يغطي تخصصًا من تخصصات الطب حيث ختمهم أبو القاسم الزهراوي بفصل الجراحة؛ لأنه يرى أن جراحة الطب مهنة سامية تحتاج إلى معرفة بقية التخصصات الطبية الأخرى قبل الخوض فيها.
ويذكر الزهراوي في مقدمة كتابه أن مهنة الطب قد تدهورت في زمنه، وأنه قد جمع في هذا الكتاب العلوم الطبية لمن عجز عن جمعها، كما يوحي اسم الكتاب. ويعرض في الكتاب الجراحة بطريقة الكي باستخدام أدوات متعددة ولجميع مناطق الجسم تقريبًا، كما يناقش ويعرض جراحة الخراجات وكيفية شقها.
يحتوي الكتاب على صور للمئات من الآلات الجراحية أغلبها من ابتكار الزهراوي نفسه، وكانت كل أداة جراحية اخترعها مرفقة بإيضاحات مكتوبة عن طريقة استعماله.


الكتاب الموسوعة
استغرق الزهراوي ما يقارب 60 عامًا في كتابته، وحظي هذا الكتاب بالاهتمام الشديد من جميع الحضارات الإنسانية؛ لذا فقد تُرجم إلى عدة لغات، مثل” العبرية، واللاتينية، والفرنسية، والتركية، والفارسية” مما ساهم في نشره في أوروبا، وآسيا، وإفريقيا، ووصف هذا الكتاب بالموسوعة الطبية الشاملة؛ إذ أصبح مرجعًا موثوقًا للعلوم الطبية، ومصدرًا وافيًا لجميع الكتب التي ألفت في هذا المجال، وكان له الدور الأكبر في النقلة النوعية التي حدثت في علم الجراحة، خاصة جراحة الفم والأسنان، بالإضافة إلى احتوائه على صور وشرح كافٍ لما يقارب 200 آلة من الآلات الجراحية والطبية، التي قام الزهراوي بابتكار واختراع معظمها.
في المجلد الأول، يتطرق الزهراوي إلى علم التشريح وإلى العناصر والأمزجة والأخلاط وعلى أعضاء الجسم. ومبحثه الثاني في أصناف الأمراض والعلل ومسبباتها، مقسمًا الأمراض حسب أعضاء الجسم من الرأس إلى القدمين وينهي المقالة بالحديث عن الحمى.
وفي المقالة الرابعة، يتحدث عن الترياق والأدوية المفردة النافعة من السموم، فيما خصص المقالة السادسة والسابعة والثامنة عن الأدوية المسهلة والأدوية المقيئة والحقن والأدوية المسهلة اللذيذة المأمونة.


كما أفرد الزهراوي في مجلده التاسع عن أدوية القلب، والمقالة الثانية عشرة لأدوية الباءة والمدرة للبول.
أما الأقراص الدوائية وأدوية الصدر والضمادات وأصنافها، وصناعة المراهم، فقد أفرد لكل منها مجلدًا منفردًا. فيما خصص المقالة السادسة والعشرين لأطعمة المرضى والأصحَّاء.
أما المقالة السابعة والعشرون” طبائع الأدوية والأغذية” فذكر خواصِّها. والمقالة التاسعة والعشرون فكانت عن تسمية العقاقير باختلاف اللغات وتفسير الأسماء الواقعة في الكتب مع ذكر الأكيال والموازين.
وعنون الزهراوي مقالته الثلاثين بعنوان العمل باليد (الكي والجراحة وجبر العظام).
ويُعد المجلد الـثلاثون من هذه الموسوعة الأكثر تأثيرًا؛ فهو المجلد المخصص لمجال الجراحة؛ حيث قام الزهراوي بشرح كيفية تنفيذ بعض العمليات الجراحية لعلاج بعض الأمراض بشكل تفصيلي؛ كما قام بوصف جميع فروع الجراحة.
كما يعرض طرق تجبير العظام في حالة الكسر وكيفية إرجاعها إلى الوضعية الأصلية في حال تزحزحها عن مكانها الأصلي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *